على أعتاب مطار إسطنبول، وقفت نور مترددة فقدماها تطلبان منها العودة، لم تكن تعلم أن أحلامها وطموحاتها التي كرثت وقتها وجهدها في التخطيط لها ستتناثر وتتلاشى بلمح البصر دون أن تتمكن من إنقاذها، جلست وحيدة في عالم غريب عنها تنتظر موعد إقلاع الطائرة باتجاه برلين ـ ألمانيا، وأخذ شريط ذكرياتها يمر أمام ناظريها والحسرة امتزجت ببقايا الأمل علّ لقاءها زوجها سينسيها حزنها.
ابتدأ حلم “نور” يتحقق عندما دخلت كلية الهندسة المعلوماتية في جامعة حلب، فدرست وتعبت خمس سنوات متواصلة رغم حياة الحرب والظروف الصعبة التي تعانيها حلب لتصبح في نهاية المطاف مهندسة وتقدم شيئا لبلدها، إلا أن طريقها كان وعرا وامتزج بآلام لم تكن في الحسبان، فعائلتها تعيش في حي الشعار بحلب المحررة، وأجبرت على استئجار منزل مع صديقاتها في حلب الغربية الخاضعة لسيطرة النظام، وكلما سمعت هدير الطائرات الحربية دنت واقتربت من سماء حلب اعتصر قلبها ألما إلى حين رحيلها.
عزف كثير من الشباب السوريين سواء كانوا إناثا أو ذكورا عن متابعة دراستهم الجامعية في ظل الحرب، فمنهم لأسباب مادية لما تتطلبه من تكاليف باهظة، ومنهم خوفا من الاعتقال، فخياراتهم محدودة والواقع فرض عليهم قرارات لا تناسب طموحاتهم فاستسلموا لها ليسلموا بأنفسهم ويتقوا شرا يمكن أن يصيبهم، فكان السفر من أكثر الخيارات أمنا لهم.
قرر خطيب “نور” أن يلجأ إلى القارة العجوز ألمانيا، وأن تلحق به فور انتهائه من إجراءات لم الشمل، وتكون في نفس الوقت قد أنهت دراستها، إلا أن القدر عاكس مخططاتها وأحلامها، فالرياح تجري بما لاتشتهي السفن، فجاء رد السفارة بالموافقة على لم الشمل وتم تحديد موعد السفر قبل أن تقدم الامتحان الوطني بأسبوع، حيث تشترط وزارة التعليم العالي على الطالب تقديمه لتمنحه الشهادة الجامعية بعد أن كثرت الشائعات والمطالبات بإلغائه.
راودتها أفكار كثيرة، هل تترك حلمها بالتخرج وتمضي لتنتهز فرصتها الوحيدة بالسفر والزواج، أم تبقى في حلب وتنهي الامتحان وتنال الشهادة؟، لكن استوقفها وضع أهلها المحاصرين في حلب الشرقية، فقررت أن تسافر على مضد، لكن في قلبها ألف غصة، فتساءلت في نفسها” من ألوم في فشلي باختيار القرار الصائب، وطني الذي بات مقبرة للأحلام، أم نفوسنا المريضة التي باعت القيم والمبادئ الإنسانية مقابل حب المال والسلطة، لن أتخلى عن حلمي رغم أنف كل ظالم، وسأعود يوما ما لأرى عائلتي تنعم بالسلام بعد حصار خنق معه زهوة الحياة ونورها”.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد