دخلت الحكومة اللبنانية في مغامرة جديدة باعتماد خطة إصلاح قطاع الكهرباء التي من المتوقع أن تلاقي اعتراضات واسعة بسبب اعتمادها على الخصخصة وتمويلها من قبل المواطنين عبر زيادة أسعار الإمدادات.
واتخذت الحكومة خطوة جراحية جريئة مساء الأحد بإقرار الخطة لوضع حد لأزمة القطاع المزمنة، التي تكبّد خزينة الدولة مبالغ باهظة ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من معالجتها منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).
ويعدّ إقرار الخطة الخطوة الأبرز التي اتخذتها الحكومة، بعد شهرين من تشكيلها، تنفيذا لمقررات مؤتمر سيدر الذي جعل إعادة تأهيل الكهرباء من أولوياته وربط تقديم مساعدات وهبات للبنان بخطوات ملموسة في هذا المجال.
وقال رئيس الحكومة سعد الحريري بعد إقرار الخطة إن مجلس الوزراء وافق عليها بالإجماع وبكل بنودها. وأعرب عن ثقته بأنها “سترضي الشعب اللبناني لأنها تؤمن له كهرباء على مدى 24 ساعة… وفيها تخفيض للعجز في الموازنة”. وأكد أن “لبنان يقوم بخطوات حقيقية للإصلاح في هذا المجال”.
وتنص الخطة، التي اقترحتها وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني الشهر الماضي، على تحقيق هدفين، تخفيف العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، وتحسين الخدمات الكهربائية عبر ثلاثة عوامل هي خفض إجمالي الهدر وزيادة الإنتاج وزيادة التعرفة.
وكانت بستاني قد ذكرت في 21 مارس الماضي أن عدم تنفيذ الخطة “يكلّف الدولة اللبنانية خسارة تزيد على 150 مليون دولار كل شهر”.
لكن الخطة يمكن أن تثير نفورا لدى اللبنانيين بسبب اعتمادها بشكل أساسي على الخصخصة وإحالة عمليات التوليد والتوزيع إلى الشركات، الأمر الذي يثير مخاوف زيادات كبيرة في الأسعار.
وأكد الحريري أن “هذه أول مرة ستكون هناك مناقصة في لجنة المناقصات”. وأشار إلى أن الحكومة مضطرة إلى هذا العلاج بالقول إن “مالية الدولة لا تتحمل التأخير” وإنها يجب أن تحيل مشاريع الكهرباء إلى الشركات “بأسرع ما يمكن”.
وكان المجتمع الدولي قد تعهد في مؤتمر سيدر لدعم لبنان في باريس قبل عام، بتقديم 11.5 مليار دولار على شكل مساعدات وقروض، لكنه اشترط لتقديمها أن تقوم الحكومة بإجراء إصلاحات اقتصادية بنيوية وتأهيل البنى التحتية وخاصة قطاع الكهرباء.
ويعاني لبنان منذ عقود من مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذات المعامل المتداعية، ومن ساعات تقنين طويلة، جعلت المواطن يدفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة في وقت لم تكن تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من جباية الفواتير من مناطق عدة.
وبحسب مؤسسة ماكنزي الاستشارية، فإن جودة إمدادات الكهرباء في لبنان في الفترة الممتدة بين عامي 2017 و2018 كانت رابع أسوأ حالة في العالم ولا يأتي بعدها سوى هايتي ونيجيريا واليمن.
وبلغ متوسط الاعتمادات الحكومية المخصصة لمؤسسة كهرباء لبنان نحو 3.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة الممتدة من عام 2008 حتى 2017، وهو ما يشكل نحو نصف العجز المالي في لبنان، وفق البنك الدولي.
ويحتل إنفاق الدولة على قطاع الكهرباء في لبنان المرتبة الثالثة في مخصصات إنفاق الموازنة بعد خدمة الدين والرواتب.
وتصل نسبة الدين العام في لبنان إلى نحو 150 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. وفي يناير خفضت وكالة موديز الائتماني تصنيف لبنان الائتماني مشيرة إلى “المخاوف من ارتفاع كبير في الدين”.
ويرى محللون أن ضعف إمدادات الكهرباء يلحق أضرارا كبيرة بالنشاطات الاقتصادية وأن إصلاح القطاع يمثل أحد أكبر الاختبارات أمام الحكومة الجديدة، خاصة أنها شرط أساسي للإفراج عن تعهدات المانحين.
وقالت بستاني لقناة الجديد التلفزيونية بعد إقرار الخطة إنها نسخة محدثة من خطة سابقة وأن “العمل الحقيقي بدأ في موضوع الكهرباء. بدأت مرحلة التنفيذ والعبرة بالتنفيذ”. وأضافت أن “الخطة إذا سارت كما يجب فإن المواطن سيشعر بتحسن كبير السنة المقبلة”.
وتستخدم محطات الكهرباء الحكومية القديمة زيت وقود باهظ التكلفة الأمر الذي ينكس بأضرار كبيرة على البيئة. وفي ظل قلة الإمدادات يعتمد معظم اللبنانيين منذ عقود على مولدات كهرباء أو على أصحاب مولدات خاصة يتقاضون رسوما باهظة الثمن.
وأكدت وزيرة الداخلية ريا الحسن في تغريدة على موقع تويتر الثلاثاء “لا بدّ لحكومتنا أن تتّخذ خطوات جذرية تنهض بالاقتصاد، أهمّها حلّ مشكلةِ عجز الكهرباءِ وإقرار موازنة تقشفية وإقرار وتنفيذ إصلاحات بنيوية”.
ويرى البنك الدولي أن نقص الكهرباء يأتي في المرتبة الثانية بعد عدم الاستقرار السياسي في عرقلة النشاط التجاري، حيث تراجع النمو الاقتصادي إلى ما بين واحد إلى 2 بالمئة فقط السنوات الأخيرة.
ومن المتوقع أن تؤدي الخصخصة إلى ارتفاع كبير في أسعار الكهرباء، التي لم تشهد أي تغيير منذ عام 1996 حين كان سعر النفط لا يتجاوز 23 دولارا للبرميل.
نقلا عن صحيفة العرب