استقبل فلاديمير بوتين منذ أيلول من العام الماضي عدداً كبيراً من الرؤساء لكنه لم يكن بشوشاً وسعيداً قط بمقدار ما بدا عليه قبل يومين وهو يصافح بنيامين نتنياهو، الذي صارت زياراته لموسكو دورية منذ بدأ بوتين عملية التدخل العسكري في سوريا.
انها الزيارة الرابعة في غضون تسعة أشهر، ولم يكن هدفها بالطبع ترتيب استعادة الدبابة التي خسرتها اسرائيل في السلطان يعقوب بالبقاع اللبناني في الثمانينات امام السوريين وأهداها الجيش السوري الى موسكو، فقرر بوتين اخيراً أن يعيدها الى نتنياهو الذي صوّر العملية انتصاراً كبيراً، ربما ليوحي ان استعادة الخردة تكتسب في اسرائيل أهمية معنوية، بينما تدمّر أنظمة عربية بلدانها على رؤوس مواطنيها كما يحصل في سوريا تحديداً.
فور إعلان بوتين قرار التدخل العسكري في سوريا في أيلول من العام الماضي هبط نتنياهو في موسكو، وكانت المفاجأة التي توصلت اليها المحادثات يومها الإعلان عن إنشاء خط ساخن للتنسيق العسكري في شأن الطلعات الجوية، ومنع الاحتكاك في السماء السورية بين البلدين، باعتبار ان المقاتلات الإسرائيلية لا تفارق الفضاء السوري، وقد نفذت منذ ذلك الحين عدداً متلاحقاً من الضربات بمعرفة مسبقة من موسكو، قيل انها استهدفت قوافل عسكرية كانت تحاول نقل صواريخ ايرانية من سوريا الى “حزب الله”، كما نفذت جرائم عدة استهدفت كوادر وقادة ميدانيين من الحزب، ومنعت خطط طهران لتفعيل جبهة الجولان وربطها بالجنوب اللبناني!
المفاجأة الأدهى كانت في إعلان بوتين انه يعترف بأن لإسرائيل مصالح حيوية في سوريا، هكذا بالحرف ومنذ ذلك الحين بدت زيارات نتنياهو كأنها لترسيخ وحماية هذه المصالح عند المفترقات التي وصلت اليها تباعاً الأزمة السورية المتمادية.
واذا كانت مصالح موسكو وتل ابيب تتلاقى في بقاء نظام بشار الاسد، وهذا أمر أعلن سابقاً تكراراً في سوريا واسرائيل منذ اندلاع الأزمة قبل خمسة اعوام تقريباً، فإن نتنياهو كان واضحاً تماماً بعد اعلان وقف النار في سوريا في 27 شباط الماضي عندما علًق بالقول إن كل اتفاق حول سوريا يجب ان يحافظ على مصالح اسرائيل.
ولأن الحيز الأساسي للقرار المتصل بالوضع في سوريا هو عند بوتين [حتى بالنسبة الى واشنطن أوباما] فإن نتنياهو يريد الآن ان يتوصل مع بوتين الى صيغة مريحة في أي تطور في الوضع السوري تتلاءم مع “المصالح الحيوية الإسرائيلية”، وهو شدّد في زيارته الرابعة على ان أي اتفاق على مستقبل سوريا يجب ان يشمل وقف أي عمليات ايرانية معادية لإسرائيل قد تنطلق من سوريا، وعدم نقل السلاح الى “حزب الله”، وعدم محاولة تحريك جبهة الجولان، والرهان الاسرائيلي الأبعد ان تساعد هوية النظام السوري الجديد وشكله في ضم هضبة الجولان نهائياً!
راجح الخوري
النهار