ما بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان أكثر من علامة تقارب هامشية جانبية، فالرجلان يتماثلان في مستوى شخصنة الدولة والسيطرة على مؤسساتها وإضعاف المجتمع المدني واستهداف الحريات العامّة.
يريد أردوغان استنساخ التجربة الروسية في مسلكية السلطة وطبيعة النظام، حيث تدور الصلاحيات التنفيذية والتشريعية مع شخص فلاديمير بوتين سواء في رئاسة الوزراء أو في رئاسة الجمهوريّة بشكل يصبح الفرد أقوى من المؤسسات وتطوّع الدولة لفائدة الزعيم السياسي، وهو ما يمكن تسميته بـ”الفرد الدولة ودولة الفرد” على شاكلة حزب الدولة ودولة الحزب في الكثير من الأقطار العربية.
بحث أردوغان مع أحمد داود أوغلو ومن قبله مع عبدالله غول عن عملية تبادل الأدوار واستبدال الصلاحيات، كتلك المعتمدة في روسيا ما بين فلاديمير بوتين وديمتري مدفيديف، ولئن وجد بوتين في مدفيديف الشخصية المطواعية في الاختفاء والاختباء وراء الشخصية الكرازماتية لبوتين، فإنّ أردوغان تخلّص من غول وأوغلو في مسيرة تفتيشه عن الشريك السياسي الكومبرس، ويبدو أنّه وجد في بن علي يلدريم “المياسم المدفيديفية” في القبول بالعيش الراكن في جلباب السلطان.
وكما استفرغ بوتين المجال العام الروسي من مقومات عمل المجتمع المدني وسحب البساط من الأصوات المعارضة من اليمين إلى اليسار عبر منحها حيّز التنديد والشجب لا التغيير والتحوير وأحكم الطوق على الإعلام الروسيّ، أتمّ أردوغان عقب التمرد العسكري الفاشل حلقات الانقلاب الناعم على المجال العامّ التركي، والأكثر من ذلك أنّه أمّن السيطرة الكاملة على المخابرات والأمن والجيش.
وفيما كانت أصوات الاتحاد الأوروبي تنادي بضرورة فصل الجيش التركي عن الشأن السياسي عقب قيامه بثلاثة انقلابات عسكرية على الحكومات المدنية، صارت الأصوات الأوروبية تدعو إلى فصل الفاعل السياسي عن التدخل في المؤسسة العسكرية لا سيّما وأنّ حملة التطهير التي يقودها أردوغان ضدّ العسكريين والأمنيين الأتراك تحمل في بعض طياتها معالم تصفية حساب سياسي أيديولوجي قديم مع حامية التراث الكمالي في تركيا.
وفيما يشكو الإقليم المجاور لروسيا من سياسات بوتين التوسعية مع جيرانها والتي أفضت إلى تقسيم أوكرانيا وشرذمة جورجيا، فإنّ التدخل التركي في العراق تحت عنوان اجتثاث وحرق الحديقة الخلفية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى إصرار أنقرة على إبرام اتفاقات نقل الغاز والنفط من كردستان العراق دون العودة إلى بغداد، يشير إلى تقاطع في مفهوم “الكيان القلق والمقلق” المتجسّد في تركيا أردوغان وروسيا بوتين.
ذات السياسة التوسعية والعقيدة الامتدادية هي المسوّغة اليوم للتواجد التركي والروسي في سوريا، وبعيدا عن عناوين “الدفاع عن الشرعية” أو”دعم الثورة المشروعة”، فإنّ التمركز الروسي التركي في سوريا يؤكد أنّ الطرفين يتصارعان في الملعب السوري دفاعا عن مصالحهما الاستراتيجية، وأنّ تقاسم المجال الحيوي سيفضي إلى تأصيل اللبنات الأولى لـ”التسوية الغنائمية” على أرض الشام.
زيارة أردوغان إلى موسكو بداية الأسبوع تؤكّد أنّ أنقرة باتت اليوم أقرب ما يكون للقبول بـ”الاتفاق الروسي الأميركي” حيال سوريا والذي سيتمّ إبرامه بشكل رسمي في سبتمبر القادم بعد أن أجلت معركة حلب تنفيذه مستهل أغسطس الجاري.
وجد أردوغان في روسيا الضمان السياسي والاستراتيجي الوحيد للحيلولة دون انفصال أكراد سوريا والذي يعني وفق الحتمية العرقية انفصال أكراد تركيا، فلئن صار التدخل الفرنسي والبريطاني والأميركي حقيقة ملموسة دعما لقوات البيشمركة السورية، ما يشير إلى قبول غربي باستحضار السيناريو العراقي في سوريا، فإنّ الدعم الروسي لهذا الخيار لم يتجاوز إلى حدّ هذه اللحظة على الأقل حدّ الاقتراح السياسي دون المرور إلى الإجراءات العمليّة.
ولن نجانب الصواب إن اعتبرنا أنّ انسحابا تركيا هادئا وناعما من المشهدية السورية لفائدة موسكو يبدأ من إيقاف الدعم المادي والتسليحي واللوجيستي للمقاتلين ولا ينتهي عند سحب الجيش من الحدود السورية، في مقابل “فيتو” روسي على استنبات كردستان سوريا على الشاكلة العراقية على الأقلّ، يمثّل السبب الرئيسي لزيارة أردوغان إلى موسكو والأساس الصلب للاعتذار التركي لصالح روسيا.
من الصعب في هذا الظرف على الأقل تحديد الردّ الروسي من المقاربة التركية، ولكنّ تصريح بوتين بأنّ التعاون التركي الروسي من شأنه إنهاء الحرب في سوريا يحمل في طياته الكثير من المغازي والمعاني والدلالات ستتوضّح قبل بداية الاجتماعات الدولية وستتكرس أكثر في مجرى ومسرى المكاسرة الحالية في حلب.
* نقلا عن “العرب”
أمين بن مسعود – العربية