لم تدع الحرب في سوريا مدينة أو منطقة إلا وألقت حمالها عليها وأثقلت كاهل سكانها بالفقر والحرمان من أدنى مقومات المعيشة، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة وبالأخص في المناطق المحررة، حيث تعمد النظام استهداف المنشآت الخدمية والمعامل بهدف تدميرها وعدم الاستفادة منها، فكانت فرص العمل قليلة وتقتصر على الميسورين الذين يمتلكون “رأس المال” ليبدؤوا بمشاريع جديدة تؤمن لهم دخلا ثابتا.
ومن هنا جاءت فكرة “مشاريع صغيرة” التي اقترحتها بعض المنظمات الإغاثية والإنسانية الموجودة في مدينة ادلب وريفها، والهدف منها تقديم الدعم المالي لأسر الشهداء والمعتقلين والأيتام والأرامل بالإضافة للأسر الفقيرة جدا والذين ليس لديهم معيل أو عمل يعينهم على الحياة.
وتم تخصيص مبلغ “400” دولار كبداية لكل مستفيدة أو مستفيد من المشروع، ويمكن أن تخصص مبالغ أخرى في المرحلة القادمة بعد أن تقوم لجنة المشاريع بإجراء كشف على المشروع الذي نفذ في حال كان ناجحا ومثمرا ويحتاج للمزيد من الدعم والتمويل بحسب ما أفادنا أحد المسؤولين في هيئة الإغاثة.
أم يزن إحدى المستفيدات من المشروع وهي أرملة ومعيلة لخمسة أولاد، فحدثتنا عن مشروعها الصغير قائلة:” فكرت كثيرا بعدة مشاريع واقترح علي أولادي أيضا بعضا منها، فقررت أن أفتح في حارتنا محل لبيع الألبسة المستعملة بعد أن وافق جارنا أن يؤجرني المحل بمبلغ بسيط ريثما يتحسن وضع البيع، فقمت بشراء البضاعة من أحد المحلات التي تبيع بالجملة، وقمت بتنسيقها وفرزها بحسب جودتها لأحصي سعر كل قطعة بالإضافة للربح الذي سأجنيه منها”.
وتضيف أم يزن:” لاقى المحل استحسانا لدى أهالي الحي، وأخذوا بارتياده كون الأسعار تشجيعية، ورغم أن المشروع مازال في بداياته إلا أنني اشعر أنني عضو فاعل في المجتمع وأقوم بعمل شريف لأعيل أطفالي وأؤمن لهم حاجاتهم دون انتظار شفقة أحد علينا”.
وأبدعت نساء مدينة ادلب بانتقاء مشاريعهن الصغيرة، فمنهن من اتجهن لمهنة الخياطة ليبرزن إبداعهن في إعادة تدوير الملابس القديمة وحياكة قطع جديدة تتسم بالجمال والأناقة، ومنهن من قررن صناعة الحلويات البيتية وتعليبها وبيعها بأسعار مقبولة ونكهة لذيذة، وبعضهن لجأن لافتتاح صالون حلاقة نسائية فهن يتقن المهنة واشترين عدة الحلاقة وباشرن بها.
ولم تقتصر المشاريع الصغيرة على النساء فقط، بل كان هناك رجال في ريف ادلب حققوا إنجازات عن طريقها من خلال مشاريع زراعية تنموية تهدف لتطوير الإنتاج وتأمين دخل للمزارعين العاجزين عن تأمين مستلزمات الزراعة من أسمدة وبذار وسقاية وغيرها، لتعود بالنفع والفائدة عليهم وعلى الواقع الزراعي بشكل عام.
نساء مدينة ادلب أثبتن جدارتهن وتفوقهن باستغلال مبلغ بسيط لإنشاء مشاريع صغيرة علها تكون بداية خير عليهن ليكونوا دوما في مقدمة نساء العالم بالصبر والحكمة والفطنة في التعايش مع ظروف الحرب وتوفير مايمكنهن لأبنائهن وبناتهن من فرص العيش والحياة.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد