لندن-“القدس العربي”: اعتبر موقع “بلومبيرغ” في تقرير له أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعثرة في ليبيا، تركت واشنطن عاجزة عن لعب دور فعّال بينما يتصارع حلفاؤها بين بعضهم البعض، ويستولي أعداؤها على الموارد الاستراتيجية. أما المصداقية الأمريكية فباتت “غارقة في الرمال المتحركة الصحراوية”.
سياسة إدارة ترامب المتعثرة في ليبيا، تركت واشنطن عاجزة عن لعب دور فعّال بينما يتصارع حلفاؤها بين بعضهم البعض، ويستولي أعداؤها على الموارد الاستراتيجية
وصلت الحرب الأهلية الليبية الآن إلى منعطف خطير: تتواجه القوات الحكومية وقوات خليفة حفتر للسيطرة على مدينة سرت الساحلية مسقط رأس الزعيم السابق معمر القذافي، والتي تعد بوابة إلى محطات تصدير النفط الممتدة على طول الساحل، والمعروفة باسم “الهلال النفطي”. ولكن بفضل مواقف ترامب حول الصراع، تجد الولايات المتحدة نفسها دون أي نفوذ حقيقية مع أي من الجانبين.
وأحدث دليل على مخاطر التناقض الأمريكي هو الاستيلاء على منشآت النفط الحيوية في ليبيا من قبل المرتزقة الروس، دون الاهتمام بالتحذيرات الأمريكية بالابتعاد عنها. وكان رد إدارة ترامب هو معاقبة رجل الأعمال الروسي الذي يوظف المرتزقة. وليس من المرجح، بحسب بلومبيرغ، أن تردع هذه الخطوة موسكو، كما فشلت الخطوة السابقة من القيادة الأمريكية الأفريقية والتي كانت عبارة عن نشر صور الأقمار الصناعية للطائرات العسكرية الروسية في قاعدة الجفرة الجوية في مايو/ أيار، إذ على الرغم من أنه تم الكشف عنها، لم تسحب موسكو الطائرات.
أحدث دليل على مخاطر التناقض الأمريكي هو الاستيلاء على منشآت النفط الحيوية في ليبيا من قبل المرتزقة الروس، دون الاهتمام بالتحذيرات الأمريكية بالابتعاد عنها
وفي الأسابيع الأخيرة، حاول ترامب نفسه التدخل في الأزمة الليبية، من خلال استدعاء الرعاة الأجانب الرئيسيين للجانبين، الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي يدعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يدعم حفتر، وحثهم على دعم محادثات من أجل التوصل إلى تسوية. ولم يظهر أي من الطرفين منذ ذلك الحين، أدنى نية لكبح جماح النزاع. بل ورفعت مصر من التوترات، بعد موافقة برلمانها، الأسبوع الماضي، على تدخل عسكري مباشر في ليبيا.
واعتبرت بلومبيرغ أن جهود ترامب المتأخرة للتوسط في هدنة بليبيا محكوم عليها أن تفشل كما جميع محاولات إدارته الأخرى لصنع السلام في العالم العربي، من “صفقة القرن” الكارثية، إلى الوساطة الفاشلة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، إلى فشلها في إنهاء الخلاف بين السعودية وقطر.
أما في ليبيا، فاعتبر الموقع أن الفشل نتيجة مباشرة لاختيار ترامب موقف الحياد. على الرغم من أن الولايات المتحدة تعترف رسميا بحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج، فقد نظرت في أوقات مختلفة إلى قوات حفتر كحليف في الحرب ضد التطرف الإسلامي، وذلك رغم أن هذه القوات تحسب الإسلاميين المتطرفين من بين الأصدقاء. وبحكم شغف ترامب بالزعماء السلطويين، أشاد خليفة حفتر. واعتبر الموقع أنه يمكن تفسير تردد ترامب، بشكل جزئي على الأقل، من خلال الدعم الذي يحصل عليه كل من سراج وحفتر من قبل الحلفاء الأمريكيين. كما أن كلاهما مدعوم من قبل رجال أقوياء يحظوا بتقدير الرئيس الأمريكي.
جهود ترامب المتأخرة للتوسط في هدنة بليبيا محكوم عليها أن تفشل كما جميع محاولات إدارته الأخرى لصنع السلام في العالم العربي، من صفقة القرن الكارثية، إلى الوساطة الفاشلة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، إلى فشلها في إنهاء الأزمة الخليجية
ففي جهة السراج، تقف تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان، الزعيم الذي يتم توجيه مكالماته المتكررة إلى البيت الأبيض على الفور إلى ترامب. أما المتمردين فيدعمهم بشكل أساسي السيسي، “الديكتاتور المفضل” لترامب، إلى جانب الإمارات، التي يتمتع زعيمها الفعلي محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، بنفوذ هائل في واشنطن. في المقابل يدعمهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يتدخل في ليبيا بشكل أساسي عبر قوات المرتزقة في “مجموعة فاغنر”.
ومع فشله باختيار جانب في الصراع، إلى جانب فشله بالتوسط بين الطرفين، لم يبق أمام ترامب سوى التهديد بالعقوبات الاقتصادية. لكن للعقوبات تأثير محدود في الحرب الأهلية، خاصة عندما تكون الجائزة – السيطرة على الثروة النفطية الهائلة – ذات قيمة كبيرة. نتيجة لذلك، فإنه محكوم على الولايات المتحدة، في ليبيا كما هو الحال في معظم العالم العربي، أن تكون مجرد متفرج.
نقلا عن القدس العربي