في مقال مشترك لكل من هنري ماير وإيليا أرخيبوف بعنوان “بوتين يعاني من صداع سوريا والكرملين يلوم الأسد”، جاء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظهر نفاد صبر من بشار الأسد الذي لا يظهر امتنانا كبيرا لإنقاذه من الحرب الأهلية الوحشية، وليس بالطريقة التي يريدها قادة الكرملين. فبوتين الذي يواجه معضلة مزدوجة في الداخل من ناحية صدمة انهيار أسعار النفط ومواجهة فيروس كورونا، يريد لملمة المغامرة العسكرية في سوريا وإعلان النصر.
ولهذا يطالب الأسد بمرونة في المحادثات مع المعارضة والتوصل لتسوية سياسية تنهي حربا أهلية طويلة، وذلك حسب أشخاص يعرفون بالمداولات داخل الكرملين.
أدى رفض الأسد التنازل للمعارضة السورية عن أية سلطة مقابل الاعتراف الدولي بنظامه إلى انفجار غضب غير عادي في الصحف والمجلات الروسية التي ترتبط ببوتين
وأدى رفض الأسد التنازل للمعارضة السورية عن أية سلطة مقابل الاعتراف الدولي بنظامه وتدفق مليارات الدولارات للمساهمة في إعادة إعمار البلاد إلى انفجار غضب غير عادي في الصحف والمجلات الروسية التي ترتبط ببوتين. ويقول ألكسندر شوملين، الذي يدير مركز أوروبا – الشرق الأوسط في موسكو: “يحتاج الكرملين إلى التخلص من صداع سوريا” و”المشكلة هي مع شخص واحد هو الأسد وحاشيته”. ويعكس انزعاج بوتين من الأسد معضلة روسيا لأن الطرفين يعرفان أن لا بديل عن الزعيم السوري للتوصل إلى تسوية.
ففي الوقت الذي استخدم فيه بوتين التدخل العسكري عام 2015 كنقطة يستعيد من خلالها التأثير الروسي في الشرق الأوسط وجعل موسكو لاعبا رئيسيا، عمل الأسد على المناورة بين موسكو وحليفته إيران للتمسك بالسلطة.
واعتمد الأسد على القوة العسكرية والدبلوماسية الروسية لمنع الجهود التركية للتوسع في مناطق المعارضة بشمال سوريا، ذلك أنه يطمح لاستعادة السيطرة على كامل سوريا.
ونفى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأخبار عن عدم سعادة بوتين من الأسد ورفضه التنازل للمعارضة من أجل تسوية سياسية.
وخلال السنوات قامت روسيا وبدون نجاح بالضغط على الأسد من خلف الأبواب ودفعه للموافقة على تنازلات سياسية ولو رمزية والحصول مقابل ذلك على دعم من الأمم المتحدة في حملة إعادة انتخابه في عام 2021. ولكن النقد المفتوح لحليف مهم يعتبر تغيرا في النهج. ففي مقال نشر على الإنترنت بموقع تابع ليفغيني بريغوجين، المعروف بطاهي بوتين، نظرا لعقود الطعام التي توفرها شركته للكرملين، هاجم الأسد ووصفه بالفاسد.
واستشهد كاتب المقال باستطلاع جاء فيه أن شعبية الأسد لا تتجاوز 32% وأشار إلى بدلاء عنه من داخل النظام والمعارضة. ولكن المقال الذي نشرته “وكالة الأنباء الفدرالية” اختفى سريعا.
وبعد أيام نشر المجلس الدولي للشؤون الدولية، الذي أنشأه الكرملين، تعليقا انتقد فيه حكومة دمشق وأنها “تفتقد النهج البعيد النظر والمرن” لإنهاء النزاع. وفي مكالمة هاتفية قال ألكسندر أكسنيونوك، الدبلوماسي السابق ونائب رئيس المجلس ومن كتب التعليق: “لو رفض الأسد الموافقة على الدستور الجديد، فسيضع النظام السوري نفسه أمام خطر عظيم”.
نشر المجلس الدولي للشؤون الدولية، الذي أنشأه الكرملين، تعليقا انتقد فيه حكومة دمشق وأنها “تفتقد النهج البعيد النظر والمرن” لإنهاء النزاع
وقال شخص مقرب من الكرملين إن ما نشر في الموقعين هو رسالة قوية للقيادة السورية. وقال شخص مقرب من القيادة الروسية إن بوتين ينظر للأسد كشخص عنيد ويمثل خيبة أمل له، ولهذا استخدم موقعا مرتبطا ببريغوجين لتوصيل الرسالة. وأضاف هذا الشخص وغيره أنه لا يمكن التخلي عن الأسد نظرا لعدم وجود شخص بديل عنه يمكن الاعتماد عليه.
ولم يرد الإعلام السوري على النقد فيما لم يعلق سفير سوريا في موسكو، رياض حداد. وبدأت المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بجنيف العمل على مسودة للدستور السوري تحتوي على نوع من المنافسة إلا أن الجهود دخلت مرحلة مسدودة بعدما قام وفد الحكومة بتخريب المفاوضات عن عمد. وفي جلسة لمجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر قال المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون إن الوفد الحكومي رفض طلب المعارضة مناقشة موضوعات الدستور مما أدى لفشل المحاولة الثانية.
وقال دبلوماسي يتابع الموضوع السوري إن نقد النظام في الإعلام الروسي نابع من حالة إحباط بين رجال الأعمال الروس الذين فشلوا بالحصول على عقود تجارية بسوريا. وقال الدبلوماسي إن روسيا تعي الوضع الصعب في البلاد، حيث فشل الأسد بتوفير الحاجات الأساسية وبسبب فيروس كورونا ومشكلة شبكات الفساد مما قد يدفع بثورة مستقبلية داخل مناطق محددة تسيطر عليها الحكومة.
ويقول جوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية، إن الأسد “كان دائما عنيدا أمام الضغط الروسي لأنه يعرف أن سوريا مهمة للروس ويجب ألا تنهار”، وأضاف أن السماح للإعلام بشن حملة ضد الأسد يعكس حالة إحباط في موسكو بعدما أصبحت سوريا موضوعا غير مهم.
ولدى روسيا قاعدة عسكرية بحرية وأرسلت قواتها لحراسة المناطق السابقة للمعارضة والطرق الرئيسية ولديها نفوذ ولكنها قد تخاطر كثيرا لو حاولت الإطاحة بالأسد، حسبما تقول إيرينا زفاسليسكايا، الخبيرة بمعهد الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية. ولم تعد إيران التي زودت الأسد بالمال والجنود والنفط لكي تظل سوريا ممرا للمساعدات إلى حزب الله بل والإمارات التي حاولت التقرب من الأسد في محاولة للتأثير على التأثير الإيراني والتركي في سوريا، وبعد سنوات من قطع العلاقات معه قامت بفتح سفارتها عام 2018.
وتقول زفاسليسكايا إن الكثير من الدول العربية توصلت لنتيجة وهي أن الأسد باق وعليها والحالة هذه التعامل معه.
نقلا عن القدس العربي