أجواء حرب حقيقة أمضاها العراقيون ليلة أمس في المنطقة الخضراء ببغداد، والتي تضم وزارات الدولة والسفارات الأجنبية استخدمت فيها المضادات الجوية والأسلحة الخفيفة، مما ينذر بدخول العراق حقبة من الصراعات المسلحة تغذيها حالة الفساد وانتشار الولاءات الخارجية.
الفريقان المتصارعان في بغداد هما من نفس اللون الطائفي ويرفعان الرايات الشيعية نفسها وتربطهما علاقات وثيقة بطهران، لكن ما يفرقهما هي المكاسب السياسية والمالية التي يسعيان ورائها، خاصة وأن العراق يعيش أسوأ حالاته من الفساد ونهب المال العام والذي يصل لعشرات مليارات الدولارات يسيل لها لعاب الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية.
الصراع اليوم على أشده بين الإطار التنسيقي الذي يضم تجمع أحزاب شيعية تشكل في آذار العام الماضي في بيت رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ويسعى إلى تنسيق مواقف القوى خدمة لصالح الشيعة في البرلمان.
في حين يقف على الضفة الثانية من الصراع التيار الصدري الشيعي الذي يتزعمه مقتدى الصدر صاحب الأغلبية البرلمانية، والذي فاز بـ 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً في مجلس النواب مستفيداً من تحالفه مع السنة العرب والأكراد، وهو يتمسك بحق تشكيل حكومة أغلبية على عكس الإطار التنسيقي الذي يطالب بحكومة توافقية يسيطر عليها الشيعة.
ومما يغذي حالة النزاع بين هذه الفصائل الشيعية الرغبة في اقتناص أكبر كمية من الأموال المسروقة فمعروف أن العراق غارق في بورة فساد واختلاسات قدرها الرئيس العراقي برهم صالح ب 150 مليار دولار في حديث متلفز العام الماضي كما أن هيئة النزاهة العامة أعلنت في شهر شباط من هذا العام تورط أكثر من 11 ألف مسؤول بينهم 54 وزيراً بالفساد.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/902611191129318
هذه التركيبة الطائفية التي تحتكم إلى السلاح في الشارع لاكتساب المزيد من المكاسب السياسية والمالية لا تقتصر على العراق وحده، بل نجد مثيلا لها في دول أخرى خاضعة للنفوذ الإيراني، ففي لبنان حيث المكون الطائفي نفسه استخدم الاحتكام الى السلاح في الشارع من أجل فرض أجنداته على بقية الطوائف وعلى الحكومة اللبنانية ذاتها، ففي 7 أيار عام 2008 احتلت مليشيا حزب الله العاصمة اللبنانية بيروت وبعض مناطق جبل لبنان بعد أن أصدر مجلس الوزراء اللبناني قراراً بمصادرة شبكة الاتصالات غير الشرعية لحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير لوضعه كاميرات مراقبة تابعة للحزب داخل المطار، خلال هذه الأحداث احتلت مجموعات مسلحة من حزب الله شوارع بيروت وقامت بأعمال تخريب وعنف أسفرت عن مقتل 71 شخصاً.
عملية الابتزاز باستخدام السلاح يمارسها عادة بلطجي في شوارع مظلمة وهو فعل مدان قانونياً واجتماعياً، لكن حينما تمارس “البلطجة” قوى سياسية وتفاخر بقوتها العسكرية لإرغام شركاء الوطن على الرضوخ فحينها نصبح أمام أشلاء دولة، بل غابة بالمعنى الحرفي يسودها حق القوة ومن يملك السلاح فيها يملك القرار والدولة معاً.
جذور “البلطجة” لدى هذه الأحزاب وجرأتها في الاحتكام للسلاح يعود لتماهيها مع النظام الإيراني الراعي والقدوة لها، الذي يقوم على ممارسة ” بلطجة ” أكبر على المستوى الدولي من خلال تهديده لدول المنطقة بامتلاك السلاح النووي أو الرضوخ لسيطرته وتمدده السرطاني، وهو ما نراه في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع