العميد الركن أحمد رحال
3 مارس
عندما تنفذ خزائن الحكومة فلا يُلام المانحون, وعندما تشح الموارد فلا عجباً بذلك, فالأموال التي وضعتها الدول المانحة بيد الحكومة المؤقتة واللامسؤولية والبذخ الذي صرفت به, تحتم تلك النتائج, وبأبسط تعبير يمكن أن يقال, أن طريقة التعاطي مع مال الثورة لا تتناسب إطلاقاً مع تضحيات الشعب السوري وما يستحقه, وما خفي لدى وحدة تنسيق الدعم يفوق ما تتوقعه العقول. فعندما تكون المبالغ المرصودة والمصروفة في وزارة الإدارة المحلية لمساعدة اللاجئين في كل سوريا والشتات لا تتجاوز 1.154 مليون دولار (20سنت للمواطن خلال 6 أشهر من عمل الوزارة), في وقت يبلغ حجم الأموال المخصصة لتغطية انتخابات الإدارة المحلية في المحافظات 1.105مليون دولار, لأن تلك الانتخابات عقدت في أفخم الفنادق التركية, فـ في الشهر 5/2014 عقدت إحدى تلك الانتخابات في فندق ديديمان ذو الخمس نجوم في مدينة عنتاب التركية, مع مظاهر ترفٍ في الطعام وقاعة الانتخاب وغرف الإقامة, وبما لا يتناسب مطلقاً مع الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطنون في نفس المحافظة التي تمت الانتخابات لصالحها, والسؤال لمَ لا تكون تلك الانتخابات في الداخل وعلى مرأى من حاضنتهم الشعبية التي سيمثلونها؟ إذاً فمن المؤكد أن هناك خلل. وأن تقتصر مشاريع وزارة الثقافة على مشروعين (مشروع مهرجان الطفولة في تركيا بكلفة 11500 دولار, ومشروع المهرجان الثقافي الأول في تركيا أيضاً بكلفة 12000 دولار), في وقت يموت أطفال سوريا جوعاً وبرداً, وعدا عن عدم الحاجة لتلك المشاريع, ليتها أقيمت في الداخل, أو أن تكون تلك المبالغ صرفتها الوزارة في متابعة موضوع سرقة المتاحف والنهب المستمر للآثار التي لا تقدر بثمن, ومنع تدمير المباني القديمة والجوامع والكنائس في المناطق المحررة, وأن تعلن الوزارة مؤخراً عن مسابقة للرسوم والقصص القصيرة في (عنتاب) وترصد لها مبالغ كبيرة, فمن المؤكد أن آلام النازحين وتشردهم لا تحتاج لكاتب أو رسَام, فدماء وجوع ومعاناة هؤلاء الأطفال هي أكبر من أي رسوم وتعبِر أكثر من أي قاص وكاتب. إذاً وأمام تلك الوقائع بالطبع يوجد خلل. وأن تنفذ وزارة البنية التحتية والزراعة مشاريع (التلقيح الصناعي للأبقار 1.387 مليون دولار, الحضانة العامة لتربية الدواجن 685 ألف دولار, توزيع السماد للمزارعين 50 ألف دولار, العيادة النباتية 615 ألف دولار, إصلاح محطات الضخ عدد 2 بمبلغ 55 ألف دولار), وتلك أرقام وتكاليف ضخمة بحاجة لأن تتكرم الوزارة على جمهورها بتحديد مكان ووقت وآلية تنفيذ تلك المشاريع, أيضاً الأمر مستهجن. وبما أن اغلب مشاريع الوزارات هي في الداخل (من المفترض), فمن المستغرب أن تكون أعداد موظفي الداخل لا تتجاوز الـ23 موظف, بينما عدد موظفي الوزارات الذين يعملون في تركيا 206 موظف, وموظف واحد في الأردن, من أصل عدد الموظفين الكلي البالغ 230 موظفاً, أي أن نسبة موظفي الداخل إلى عدد الموظفين الكلي 10% وهي نسبة منخفضة جداً, وتدل عن بعدهم عن العمل الميداني الفعال للوزارات في الداخل. وعندما تكون نسبة حاملي الشهادات العليا ( 47 موظف يحملون إجازة جامعية, ماجستير, الدكتوراه) أي يشكلوا 25% من إجمالي عدد الموظفين, بينما نجد أن هناك 59 موظف مؤهلهم (ثانوي أو تعليم أساسي أو بلا شهادة) ونسبتهم 31% من مجمل موظفي الحكومة الـ 230, فمن المؤكد أن هناك خللاً. وعندما يتم صرف مبلغ 187 ألف دولار كـ بدلات إيجار للأشهر الثلاث الأولى, وبالتالي يكون الإيجار السنوي 560 ألف دولار, وهذا يعني أن الوزارات تدفع مبالغ كافية لشراء تلك العقارات خلال سنة بدلاً من دفع إيجاراتها, وإذا ما أضفنا إيجارات السيارات ومصاريفها التي دفعتها وزارات الحكومة خلال الأشهر الثلاث نفسها والبالغة 334.700 دولار, في وقت تعلن الأمم المتحدة بأن أكثر من نصف سكان سوريا أصبحوا من الفقراء, وأن 9.7 مليون سوري يعيشون على خط الفقر, وأن 4.4 مليون سوري يعيشون في فقر مدقع, هنا يكتمل المشهد الذي تقشعر له الأبدان. وعندما يكون المبلغ الذي صُرف وخصص من أجل 6 مليون لاجئ في سوريا والشتات لا يتجاوز 1.154 مليون دولار, ويكون المبلغ الذي صرف كرواتب و أجور لـ 230 موظف عاملين بالحكومة هو 978.492 دولار, فمن المؤكد أن هناك مصيبة. وعندما نعلم أن عميد إحدى كليات جامعة حمص بقي ثلاث سنوات ونصف من عمر الثورة وهو يعمل لدى النظام بعيداً عن الثورة, وقبل تشكيل الحكومة بأربعة أشهر يعلن انشقاقه فيختاره رئيس الحكومة ليكون وزيراً للتربية والتعليم في الحكومة المؤقتة, في وقت يذخر فيه اتحاد الأكاديميين السوريين بعشرات الكوادر المؤهلة ومن حملة الشهادات العلمية العليا ومن المنشقين منذ بداية الثورة ودون الاهتمام بهم أو تعيين أحدهم, فمن الطبيعي أن هناك كارثة, والأسوأ أن يقوم هذا الوزير بالاتصال بأحد الموظفين الذين ما زالوا على رأس عملهم عند النظام لتسليمه مكتب التعليم العالي في الوزارة, وكأن الوزارات أصبحت مزارع شخصية ذات ملكية خاصة. والأغرب, عندما تعلم أن كل تلك الأرقام وردت في بيانات الحكومة, ومن تقاريرها التي قدمت فيها كشوفات صرفياتها عن الربع الأول لعام 2014, فتخيل مدى الكارثة التي حلت وفرضت على شعبٍ خرج متأملاً بهؤلاء ليقاوم مخرز النظام بعين الثورة … لك الله يا شعب سوريا.
العميد الركن أحمد رحال