بشعارات وهتافات تشيد بإنجازات الجيش السوري وبطولاته المتكررة، خرج حشد شعبي من أحياء قدسيا دعما لأولئك الأبطال “بحسب تعبيرهم” ولقائدهم “بشار الأسد” وبحضور محافظ ريف دمشق وأمين فرع الحزب والقيادات العسكرية في الجيش والدفاع الوطني ولجان المصالحة، بعد أن حققوا غايتهم وهجروا أكثر من 1300 شخص من سكانها تحت ذريعة حقن الدماء ووقف إطلاق النار.
ولعل أول مايخطر ببال أي مواطن سوري يعي جيدا مايحدث على أرض الواقع في جميع المناطق التي اتبع فيها نظام الأسد سياسة الحصار والتجويع والقصف المكثف بهدف إذلال شعبها وإخضاعهم لسلطته وإجبارهم على الخنوع له والرضوخ لأوامره وشروطه ليجبروا في نهاية المطاف على ترك ديارهم، أهلهم، ذكرياتهم، ويتجهوا لأماكن بعيدة لايربطهم بها سوا أنها محررة من قبضة النظام.
فها هم أنصار النظام وموالوه خرجوا فرحين بالنصر الساحق الذي حققوه، لكن في الحقيقة هم أشخاص لايمتون للإنسانية بصلة، فقد خرجوا ليرقصوا ويتغنوا باسم الوطن وقائده وعودة “قدسيا” لربوعه غير آبهين بمشاعر من هجر منها رغما عنه وبهدف أن يكسروا فتنة سعى النظام جاهدا لإشعالها بين أهالي المعارضة المسلحة والمدنيين، فما كان أمامهم خيار آخر، إما القبول بالتهجير، أو أن يعيشوا تحت رحمة البراميل المتفجرة والصواريخ الغادرة على مدار الساعة، فكانت حياتهم أشبه بجحيم يدمر كل من حوله.
وكانت فعاليات ثورية عدة، وقواد في المعارضة السورية، وغيرهم ممن نددوا بخطة النظام وجهوده في إجراء تغيير ديمغرافي في المدن والبلدات التي يحكم حصاره عليها، ويجري عملية استبدال في عملية مدروسة منطقة تلو الأخرى إلى يصل إلى مبتغاه ويحقق أهدافه بجمع المعارضة في الشمال السوري، إلا أنه ورغم التحذيرات والتنديدات مايزال مستمرا في تلك السياسة ويعمل جاهدا على تطبيقها تبعا للأولوية ووفقا لجدول خططه.
وفي لقاء مع إحدى سيدات مدينة قدسيا في مدرسة للإيواء في مدينة ادلب رفضت أن تكشف عن اسمها خشية من انتقام النظام لأقاربها:” لآخر لحظة وابني يقول لي لن أسامحك يا أمي دمرتي مستقبلي لا أريد الخروج من المدينة، ماذنبي أن يضيع مستقبلي؟”.
وكان ابنها على أبواب التخرج من كلية إدارة الأعمال، إلا أن زوجها كان مطلوبا للنظام، فقررت أن تضحي بمستقبل ابنها على أن تخسر عائلتها بأكملها، وحالها كحال غيرها ممن أجبروا على ذلك.
ونشرت إحدى صفحات النظام صورا تتغنى بانتصار الجيش على من سمتهم “بالمسلحين” في مدينة قدسيا، وهم بعيدون كل البعد عن معنى النصر، فقد حققوا غايتهم بأساليب لا يمارسها إلا من فقد الشرعية ومعايير الإنسانية وحارب الشعب جوا عبر قصفه بشتى أنواع الأسلحة ومنها المحرمة دوليا، لكن مهما طال زمن الظلم لابد للحق أن ينتصر، ولابد للمظلوم الذي أخرج عنوة أن يسترد كرامته التي خرج من أجلها، والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي وجهة التهجير القادمة؟.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد