تساءل مراقبون عما وصفوها بالحركية المكوكية التي شهدتها روسيا أخيرا، وبدأت بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فجأة إلى مجلس الدوما، و”موافقته” على اقتراح بشأن “تصفير” عداد الولايات الرئاسية، برضى المحكمة الدستورية وتصويت الشعب، ليتمكن “نظريا” من البقاء في السلطة حتى 2036.
“عمليا وبكل هدوء ويسر” تتجه الأمور نحو ذلك بالفعل، حسب محللين أكدوا أنه بعد موافقة الدوما بالأغلبية، أيدت البرلمانات الوطنية هذه التعديلات، وأقرها مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، وكذلك فعلت المحكمة الدستورية الروسية يوم أمس، فحققت لبوتين فترة حكم عجز عن تحقيقها الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين.
وقد وافق بوتين -الذي صرح مرارا بالزهد في الحكم- على قبول “المهمة الصعبة”، ليخلق الإعلام الرسمي في روسيا مساحات تأييد وتبرير واسعة للخبراء والمسؤولين وأنصار بوتين والحزب الحاكم، محورها أهمية وجود رئاسة قوية مستقرة، تعزز سيادة روسيا وحضورها الدولي.
ويقول الناشط السياسي أناتولي بوبوف إن على بوتين إكمال ما بدأه من إصلاحات أعادت إلى العالم وزن روسيا بوصفها قوة عالمية، واستمراره بقائه في السلطة اليوم يضمن استقرار روسيا في مواجهة الأزمات التي يشهدها العالم، ومؤشرات الحروب الكثيرة.
ولا يعتبر بوبوف أن بوتين هو ذلك الشخص الوحيد القادر على ضمان “العظمة” لروسيا، لكنه يعتقد أنه “الخيار الأفضل”، خاصة أنه استطاع تفعيل أجهزة الدولة وضمان مصالحها، وتنسيق العمل معها وفيما بينها بتناغم.
سعي للخلود
وعلى النقيض، ترفض المعارضة هذه التعديلات، وتعتبر أن بوتين (67 عاما) يمهد بها لخلود لم يسبقه إليه أحد، حتى بعد 2036 إن بقي حيا.
ويرى الكاتب الإعلامي سامر إلياس أن بوتين يخلق اليوم في روسيا “منهجا بوتينيا للحكم”، معتمدا على ولاء مطلق في مؤسسات الدولة، يمكنه من البقاء حاكما واسع الصلاحيات، وشخصية لا غنى عنها لتحقيق التوازن بين فروع السلطة.
ويشير إلى أن بوتين فاجأ المعارضة الروسية مرتين، الأولى عندما عرض في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي فكرة التعديلات الدستورية وأسس لجنة لجمع المقترحات، والثانية عندما كشف بشكل واضح عن الأهداف الحقيقية لهذه التعديلات، من دون أن يمنح المعارضة المشتتة فرصة للتفكير بالرد، مع اقتراب موعد التصويت المقرر يوم 22 أبريل/نيسان المقبل، وقرار السلطات منع التجمعات لمكافحة تفشي كورونا.
أما المحللة السياسية تتيانا ستانوفايا فترى أن بوتين ليس إستراتيجيا، ولكن عندما يتعلق الأمر بقناعاته الشخصية، فهو عنيد وشديد ثقة بالنفس، يسعى لخلق نظام جديد، يكون هو على رأسه كزعيم يتخطى الجميع.
إبعاد الخصوم
ولتحقيق ذلك، يرى الكاتب أندري بيرتسيف أن بوتين بدأ حديثا بـ”إجراءات العبور” نحو نظام حكمه الجديد، فأجرى تعديلات حكومية، أطاح من خلالها حتى ببعض المقربين، فخلط الأوراق وشتت الأفكار.
وهذا ما دفع المحلل السياسي أليكساندر بونوف للقول إنه من الممكن الآن فهم استقالة مدفيدف من منصب رئيس الوزراء على أنها استكمال لإعداد خليفة له، مضيفا أن التغييرات الحكومية الأخيرة منعت خصوم بوتين المحتملين (في السلطة والمعارضة معا) من التدخل في العملية الدقيقة لنقل السلطة، بدلا من ترتيب شؤونها لأنفسهم بأسرع ما يمكن، أمام المجتمع المحلي والدولي.
ويرد بعض المعارضين حالة “الخصومة” هذه مع بوتين -إن صح التعبير- إلى تداعيات توتر العلاقات الروسية مع تركيا بسبب سوريا، ومع السعودية وروسيا البيضاء بسبب سوق وأسعار النفط، وتأثيرها الكبير على الاقتصاد الروسي، ومع الغرب بسبب أزمة الجارة أوكرانيا، إضافة إلى أزمة مالية عالمية تلوح في الأفق على خلفية النزاعات وانتشار وباء كورونا.
وعليه، يرى البعض المشهد الروسي من زاوية تحول أكيد إلى نظام شمولي، يكون فيه كل الشأن لبوتين، ولا شأن لمعارضيه، الذين سيكون وجودهم مهددا.
ويشبه الكاتب الإعلامي سامر إلياس المشهد الروسي بنظيره السوري، ويرى أن السلطة المطلقة والقمع وأحكام السجن لسنوات طويلة بحق المعارضين والمتظاهرين حديثا، خطوات على طريق فرض نظام شمولي مستبد في روسيا، يجرم ممارسة العمل السياسي المعارض، ويخلق فراغا لا يستطيع ملأه -بعيون الروس- إلا نظام بوتين.
نقلا عن: الجزيرة