أشعل تحذير رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون من سقوط لبنان في “جهنم” غضب العديد من اللبنانيين وسخريتهم في الوقت ذاته، لكنه بدا -بالنسبة للبعض- إشارة إلى نوع من التمايز عن موقف حليفه الإستراتيجي حزب الله، وحليفة حليفه حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري.
وفي وقت يصر “الثنائي الشيعي” على تسمية وزرائهما والتمسك بحقيبة المال تسلح عون بالدستور، داعيا إلى التقيد بمبدئه الذي لا ينص على تخصيص أي وزارة لأي طائفة من الطوائف، وطالب بـ”إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت سيادية”.
تصريحات عون جعلت الكثيرين يتساءلون: هل بدأ عون ومن خلفه التيار الوطني الحر -الذي يرأسه جبران باسيل- بالانسحاب التدريجي من التحالف مع حزب الله خوفا من عصا العقوبات الأميركية؟
الدستور أم الأعراف؟
ربما هي المرة الأولى في تاريخ العلاقة بين الطرفين (عون وحزب الله) التي يخضع مصير تفاهمهما للنقاش، سواء في العلن أو خلف الأروقة السياسية، ولعل مجرد تصريح عون بأنه “لم يجر الكلام عن فك تفاهم مار مخايل” يؤكد ذلك.
ويعود تفاهم مار مخايل إلى العام 2006، وتحديدا يوم يوم 6 فبراير/شباط منه حين شهدت كنيسة مار ميخائيل لقاء بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والجنرال ميشال عون، وتمخض عنه توقيع وثيقة تفاهم شملت 10 نقاط أساسية تحت لافتة “صون لبنان وحمايته”.
ولئن بدت تصريحات عون الأخيرة غير معتادة في شكلها وأسلوبها على الأقل فقد بدا لافتا عدم إعلان أركان “الثنائي الشيعي” -حتى الآن- أي موقف من كلام الرئيس الرافض لتخصيص أي وزارة لأي طائفة، خلافا لمطلبهما.
ولدى سؤال الجزيرة نت أحد الرموز البارزة لحركة أمل عن موقفها من تصريحات عون كان الجواب “لا نقبل الدخول بأي سجال مع رئيس الجمهورية، والمرجعيات العليا تعلن موقفها من كلامه، لكن يجب ألا ننسى أن لبنان تحكمه الأعراف أكثر من الدستور، وسنبقى متمسكين بمطلبنا، ولسنا بوارد تقديم التنازلات في شأن حقيبة المال التي نطالب باقتراح عدة أسماء لتوليها، على أن يختار الرئيس المكلف واحدا من بينها”.
تفاهم على المحك
وبينما بدأ المحللون في لبنان يطرح فرضية اهتزاز التحالف بين عون وحزب الله اعتبر عضو المجلس السياسي في التيار الوطني وليد الأشقر أن التمايز في المواقف الداخلية عن حزب الله يعود لسنوات طويلة، ولا يلغي التحالف العميق على المبادئ الإستراتيجية الأساسية التي تنص عليها ورقة تفاهم “مار مخايل” في العام 2006.
كما يؤكد أن التمايز عن حزب الله في الملف الداخلي لا علاقة له بالعقوبات الأميركية، “ولا سيما أن ملفات التيار الوطني نظيفة وليس عليها شبهات فساد، ولو وجد الأميركيون أي إثبات على إدانة باسيل لما انتظروا كل هذا الوقت لفرض العقوبات عليه”.
ويضيف في تصريح للجزيرة نت أن “الحزب لم يلاق التيار في إقرار مشاريع قوانين لمكافحة الفساد، بل تخاذل مع المفسدين، ولم يضغط على حليفيه حركة أمل وتيار المردة لتحمل مسؤولياتهما”.
لكن الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان (المقرب من حزب الله) يرى أن عون استكمل مواقف جبران باسيل الأخيرة التي عكست أيضا نوعا من التباعد الواضح عن حزب الله، بإعادة طرح القرار الأممي 1701 بشأن حل النزاع اللبناني الإسرائيلي، والتعجيل بترسيم الحدود البحرية والبرية، ومحاولة ملاقاة البطريرك الماروني الداعي لمسألة الحياد.
ويعتبر توفيق شومان أن تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المال ينطلق من الوجهة المالية الاقتصادية للمبادرة الفرنسية.
ويشير إلى أن حزب الله يرغب بالمشاركة في إعادة هندسة وجه لبنان المالي، وتحديدا على مستوى تسمية حاكم جديد لمصرف لبنان، ودور وزارة المال في إعادة إعمار المرفأ.
استدارة متأخرة
أما عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش فيرى أن عون أخذ مواقفه لإدراكه أن بيئته المسيحية لم تعد تؤمن بالفكرة التي أوهمها بها على مدى سنوات طويلة، لجهة اعتبار أن التحالف مع حزب الله هو حماية للمسيحيين، وتحديدا على مستوى مواجهة بعض جماعات العنف مثل داعش وغيرها، لذا سعى عون -وفق علوش- بعد الفشل في إدارة الحكم وانفجار مرفأ بيروت إلى أخذ مسافة غير مجدية عن الحزب “تعزيزا لشعبية ولي عهده جبران باسيل”.
ويعتبر علوش أن “الأوان قد فات على عون بعد أن أوصل لبنان لهذا الدرك نتيجة تحالفه مع حزب الله الذي أوصله إلى سدة رئاسة الجمهورية”.
تقية سياسية
ويذهب الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية مكرم رباح إلى أبعد من ذلك، ويصف مواقف عون وباسيل بـ”التقية السياسية”.
ويقول رباح للجزيرة نت إن “عون يتصرف كأنه حيادي وغير مسؤول، فيما هو يطلق مواقفه مع باسيل لتوجيه رسالة نأي بالنفس للأميركيين خوفا من العقوبات”، ولا يستبعد احتمال أن عون ينسق مواقفه مع حزب الله، ولا سيما أنها جاءت بعد يوم من لقاء نائب حزب الله محمد رعد.
نقلا عن الجزيرة