بعدما أكد الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله انه لن ينسحب من القتال في سوريا وسيخوض معركة حلب حتى النهاية ومهما بلغت التضحيات “لأن الدفاع عن حلب هو دفاع عن سوريا، والدفاع عن سوريا هو دفاع عن لبنان وإفشال للمشروع الاميركي – الصهيوني في المنطقة”، فإنه ربط بقوله هذا مصير لبنان بمصير سوريا كما ربطت منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي حل القضية اللبنانية بحل القضية الفلسطينية… وتحوّل لبنان ساحة مواجهة وتصدٍ بعدما كان ساحة صمود فقط.
الواقع أن أخطر ما في هذا الكلام هو أن لا رئيس للبنان إلا بعد ان تتبلور صورة الوضع في سوريا، إلا إذا كان رئيساً كرؤساء سابقين لا دور لهم سوى إدارة الأزمات والحروب في انتظار تقرير مصير لبنان ربما هوية ونظاماً. وهو ما واجهه في الماضي عندما تعذّر عليه فصل قضيته عن القضية الفلسطينية، وحتى عن أزمة المنطقة كلاً وعن وضع الجولان السوري الذي صار حل الوضع في أجزاء محتلة من جنوب لبنان مرتبطاً بحله، مع أن مضمون قرارات مجلس الأمن حولهما مختلف فرفُع شعار “وحدة المسارين اللبناني والسوري” وذهب المغالون الى حد القول بوحدة المسار والمصير أيضاً.
لذلك فلا خروج من هذا الارتباط إلا إذا قرر القادة في لبنان تحييده انطلاقاً من “اعلان بعبدا” كي لا يظل حل أي أزمة تقع فيه مرتبطاً بحل أي أزمة في أي دولة في المنطقة. فعلى القادة إذاً أن يقرروا إما تحييد لبنان وإما ابقاءه ساحة مفتوحة لصراعات كل خارج قريب أو بعيد. فإذا لم يقرر “حزب الله” الانسحاب من سوريا فلا مجال للبحث في تحييد لبنان، ولا بد عندئذ من انتظار ما سيتقرر في سوريا لمعرفة ما سوف يتقرر في لبنان.
ولا شيء يدل حتى الآن على أن الحرب في سوريا ستنتهي قريباً كي تنتهي الأزمة في لبنان، وانه لا بد ربما من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة أي سياسة ستنتهجها الادارة الاميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، أهي سياسة الخروج منها والانكفاء، أم سياسة التصدي والهجوم لاحكام السيطرة على كل المنطقة وإن كان ذلك بات صعباً مع استعادة روسيا دورها وقوتها بحيث صارت قادرة على مقاسمة اميركا مساحات النفوذ فيها بموجب اتفاق شبيه باتفاق سايكس – بيكو، حتى اذا ما تعذّر التوصل الى مثل هذا الاتفاق اصبح التقسيم هو الحل الذي لا مفر منه، ويصبح دور القادة العمل على ابقاء لبنان خارج هذا التقسيم ليظل نموذجاً للعيش المشترك.
لذا يمكن القول إن لبنان يواجه ما واجهه عام 1943 عندما قرر انهاء الانتداب الفرنسي عليه والحصول على الاستقلال، فكان ميثاق 43 غير المكتوب، أو يواجه مرحلة ما قبل حرب ال75 التي انتهت باتفاق الطائف الذي عدّل دستور لبنان. لكن لا ميثاق 43 حقق الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، ولا اتفاق الطائف حقق ذلك ايضاً وظلت لكل طائفة مطالب تريد تكريسها في الدستور. فاذا كان السلاح الفلسطيني في لبنان أشعل حرب ال75 التي انتهت باتفاق الطائف وبوصاية سورية عليه، فأي اتفاق سيأتي به سلاح “حزب الله” بين اللبنانيين؟ هل بتعديل اتفاق الطائف، أم ان الخلاف على تعديله قد يفرض نظام “الفيديرالية” فيه خصوصاً اذا ما اعتمد هذا النظام في اكثر من دولة عربية؟
وهكذا فإن رئاسة الجمهورية اصبحت بعد موقف “حزب الله” القاطع والجازم من الحرب في سوريا والعراق، ولا أحد يعرف في أي دولة أخرى، بين خيارين: إما انتخاب رئيس يدير الأزمة التي لا حل لها ما دام الحزب يحارب خارج لبنان، وإما انتخاب رئيس للجمهورية بعد حل أزمته التي لا حل لها إلا بعد حل الأزمة في سوريا، وهو ما حصل له عندما تعذّر عليه حل مشكلة احتلال اسرائيل لأراضٍ في الجنوب ما لم تحل القضية الفلسطينية أو ان تحل قضية الجولان. فهل هذا ما يريده قادة في لبنان يدّعون حبهم له ولا يحبون أحداً عليه… وهم يفعلون عكس ما يقولون؟!
النهار