كشف تقرير صحفي عما تشهده مؤسسات النظام الحكومية من استقالات للموظفين بالجملة بعد أن كان الحصول على وظيفة ما حلماً فيما مضى من الزمن.
سلط تقرير لقناة الحرة الأمريكية أمس الضوء على حالة الهروب الجماعي من الوظائف الحكومية لدى النظام بعد تحولها إلى كابوس يلاحق الموظفين جراء انهيار قيمة الليرة وعدم إجراء أي تعديل على الرواتب الحالية التي لا تتناسب مع الغلاء غير المسبوق في كافة السلع.
فعرض التقرير مقابلة مع المهندس خالد، الذي لم يترك فرصة في سبيل الحصول على وظيفة حكومية يخرج منها براتب ثابت آخر الشهر قبل نحو 14 عاماً، وما دفعه هنا وهناك وأدخل الكثير من “الواسطات” بحسب تعبيره لتحقيق ذلك، إلا أنه في الوقت الحالي يسعى لاتباع نفس تلك الخطوات للخلاص من الوظيفة عبر تقديم استقالته.
ففي عام 2009 كان راتب خالد الشهري يساوي بالليرة السورية 45 ألفا (850 دولار حسب سعر الصرف في ذلك الوقت). أما اليوم فيتقاضى 140 ألف ليرة سورية مع الحوافز والبدلات (أي 28 دولارا وفق سعر الصرف الموازي)، ويضيف: “كان نعمة وأصبح نقمة، لم يعد يكفي لشراء ربطات الخبز، وإيجار الطريق من المنزل إلى العمل. الجلوس في المنزل أرحم لي”.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/759196891867664
فرار جماعي من مؤسسات الحكومة
وتشمل هذه الحالة السورية على المئات أو ربما الآلاف من الموظفين الذين يريدون تشكيل فرار جماعي من الدوائر الرسمية التابعة لحكومة النظام، فالغالبية العظمى باتوا يفكّرون في “الاستقالة” ومنهم من اتخذ القرار، حسب ما يشير إليه من تحدث إليهم موقع “الحرة” ووسائل الإعلام شبه الرسمية التي حذّرت من هذه الظاهرة، قبل أيام.
وأكد تقرير الحرة ما تناقلته صحيفة الوطن المقربة من النظام في عددها الصادر الأربعاء، وأفردت صفحتين للحديث عن ظاهرة “الاستقالات الجماعية” بين الموظفين في عموم المحافظات السورية، حيث 300 حالة في القنيطرة و400 حالة مماثلة في السويداء، مضيفة أن “مسلسل الاستقالات لم ينته والحبل على الجرار”.
ويبلغ وسطي راتب الموظف الحكومي في القطاع العام بسوريا 100 ألف ليرة سورية، بينما أجرة اليوم الواحد في قطاف الفواكه 25 ألف ليرة لليوم الواحد، وتضيف الصحيفة: “أجور النقل تستهلك أكثر من ثلثي الراتب. في اليوم الواحد يحتاج الموظف إلى 3 لـ4 آلاف ليرة سورية إيجار مواصلات. دوام عشرين يوما يحتاج لـ80 ألف ليرة للمواصلات فقط”، وفق التقرير.
بينما لم يحظ “خالد” الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه كاملا بـ”الاستقالة المنشودة” حتى الآن وينتظر “الموافقة الأمنية”، وصل المعلّم السوري في إحدى مدارس ريف العاصمة دمشق، عبد الحميد إلى بيروت قبل أسبوعين، عابرا إلى البلاد بصورة غير شرعية، لأسباب تتعلق برفض طلب استقالته، وعدم قدرته على استخراج جواز سفر، كون الأمر يحتاج لموافقة أمنية، لأنه “على رأس عمله”، وفق تقرير الحرة.
يحاول المعلّم السوري العبور إلى أوروبا، فيما يبحث عن “قارب تهريب آمن”، رغم المخاطر التي تحيط بكل هذه الرحلة، وفق التقرير.
يقول الباحث الاقتصادي، مؤيد البني إنه يمكن رؤية أثر هجرة القوى العاملة اليوم على كثير من القطاعات الاقتصادية، وربما أهمها “القطاع الصحي الذي ينقصه كوادر ومتخصصين عبر سوريا، بالإضافة للأجهزة الطبية والأدوية”، وفق التقرير.
https://www.facebook.com/syrianpresscenter/videos/460968595831900/?extid=WA-UNK-UNK-UNK-UNK_GK0T-GK1C&ref=sharing
الاستقالات مبررة
ويعتبر الصحفي السوري، مختار الإبراهيم أن “موضوع الاستقالات منطقي ومبرر، من زاوية أن الموظف لم يعد لديه القدرة على تأمين أجور المواصلات، الموظف اليوم في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار ووصوله إلى حاجز الـ 5 آلاف بات راتبه الوسطي يساوي 20 دولارا فقط”، بحسب التقرير.
الاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم يرى أن هناك سلسلة من الأسباب التي تقف وراء ازدياد حالات الاستقالة في المؤسسات الحكومية، على رأسها أن “كتلة الرواتب باتت منخفضة جدا مقارنة بالتضخم الحالي”، وفق التقرير.
ويقول لموقع “الحرة”: “الكتلة تقارب 14 إلى 20 دولار. هذا الرقم لا يغطي تكاليف المعيشة التي تحتاجها العائلة والمقدرة بـ600 دولار شهريا (3 ملايين حسب سعر السوق الموازي).
وتحدث الكريم عن “شرطين” قبل حدوث “الكارثة”، مضيفا: “إما أن يسمح النظام السوري بعودة المنظمات الأهلية للعمل، والشروع بدعمها من قبل التجار أو السماح للحوالات المالية بالوصول دون قيود. دون هذين الشرطين سوف نشاهد كوارث في سوريا ومجاعة وانتشار الجريمة المنظمة، وأكثر من ذلك”.
وتعاني سوريا منذ نحو 11 عاما، من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وندرة في المحروقات وانقطاعا طويلا في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا، دون وجود بدائل حقيقية.