غصون أبو الذهب _ اسطنبول
“لم يعد لدي رغبة في الحياة” بهذه الكلمات ختمت السيدة رشيدة حديثها الذي بدأته بأنها حبيسة منزلها وعاجزة عن قضاء حوائجها جراء عطل في الجهاز الداعم لقدمها المصابة بشلل الأطفال، منعها من تصليحه بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بها الصادرة من ولاية بعيدة عن مكان إقامتها، الأولويات تحكم أحلام “رشيدة” وتضيق بضيق الحال فيدها المبتورة وحاجتها ليد صناعية لم تشكل يوماً مطلباً لأنه بحسب وصفها ما الفائدة من يد فقط “للمنظر” تشكل عليها حملاً ثقيلاً.
517 ألف سوري حرموا من أبسط الحقوق حتى بداية 2011 ، بعضهم لا يستطيع دخول المشفى أو حتى النوم بفندق!!
قصة رشيدة
قالت السيدة “رشيدة” إلى موقع “سيريا برس” الإخباري: في السابعة من عمري أصبت بارتفاع في الحرارة على أثره فقدت القدرة على تحريك قدمي اليسرى وأصابني بما يعرف بشلل الأطفال، وكم كانت فرحتي كبيرة عندما قال أحد الأطباء أن الحل يكمن في عمل جراحي يعيد العافية لقدمي، لكن سعادتي سرعان ما تحطمت لعجز والدي عن توفير التكاليف.
لم تقف مأساة السيدة رشيدة على قدمها بل شاء القدر أن تبتر يدها اليسرى من الكتف عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها بحادث تسبب به على حد قولها ” قشاط موتور الماء”، وتابعت: لم أركب يد صناعية لأنها ثقيلة الوزن “فقط منظر” لا فائدة منها بالحركة وتشكل ثقل كبير على قدمي المشلولة، وخاصة أني لم أحصل على جهاز لمساعدتي على المشي إلا بعد زواجي عندما بلغت من العمر 23 عاماً استخدمته لسنوات طويلة حتى بدلته منذ سبع سنوات في ولاية كلس التركية بجهاز آخر لم يكن مريحاً لي على الاستخدام أبدا فهو أقصر من قدمي الأخرى لخلل تصنيعي وكذلك لضيقه من عند الفخذ مما كان يسبب لي احتباساً بالدم يؤلمني، وللأسف تعطل الجهاز منذ أشهر وبسبب ضيق اليد لست قادرة على تصليحه أو تبديله.
الجهاز الذي تحتاجه السيدة “رشيدة” هو جهاز داعم للطرف السفلي يستخدمه مرضى شلل الأطفال، يعتمد على أن الطرف المصاب لا يمكنه حمل جسم المريض بسبب ضعف عضلات القدم المصابة وضمورها، والجهاز عبارة عن دعامتين طويلتين على جانبي الطرف المصاب مع وجود مفصل للركبة للثني عند الجلوس لتحميل جسم المريض عليهما، وتكون الأربطة التي تمسك الطرف بين الدعامتين عبارة عن “بولي بروبلين” أو شرائح من الحديد يتم تبطينها تبعاً للنوع المستخدم كما يقوم الجهاز بتعويض فرق الطول في الرجلين في حالات شلل الأطفال.
السيدة رشيدة تبلغ من العمر الآن 50 عاماً وتعاني من “الماء البيضاء” في عينها اليسرى على حد تعبيرها، ولأنها عاجزة عن خدمة نفسها اضطرت لنقل مكان سكنها إلى جانب ابنها الوحيد الذي يعمل في ورشة خياطة كعامل بسيط في مدينة اسطنبول وهو المعيل الوحيد لها، حيث لديها زوج وولد مفقود في سوريا لا تعلم عنهم شيئاً، وقالت “رشيدة” إلى “سيريا برس” برغم أن أبني لديه بطاقة حماية مؤقتة صادرة من اسطنبول، لم استطع نقل “الكملك” الخاص بي إلى ذات الولاية كي أتمكن من العلاج في المشافي الحكومية والمراكز الصحية المجانية، ومن 7 شهور و أنا حبيسة المنزل دون أي مساعدة بالكاد أتحرك.
بطاقة الحماية المؤقتة
بالتواصل مع السيدة إناس النجار مديرة الاتصال في “اللجنة السورية التركية المشتركة” من اجل نقل بطاقة الحماية المؤقتة للسيدة “رشيدة” وحول الأعمال التي تهتم بها اللجنة، قالت: اللجنة لم توجد للمشاكل الصغيرة، الآنية، الفردية، بل وُجدت لحل المشاكل العامة التي يتم النظر فيها لإيجاد حلول استراتيجية للمساهمة في زيادة التأقلم والانسجام مع المجتمع التركي وحل المشاكل التي تحول دون ذلك.
وإحدى تلك المشكلات التي تأتي بعد مشكلة اللغة والتواصل هي الأوراق الثبوتية حيث تتضمن العديد من الحالات اللحظية والعقبات على المدى البعيد مثل(الحماية المؤقتة، حجم الكيملك) ستكون لها حلول جذرية إضافةً للكيملك المُبطل للأشخاص الذين زاروا سورية، وذلك كي يشعر الشخص بنوع من الاستقرار والراحة ليقدر على الانسجام.
وشددت السيدة “نجار” على ضرورة حل مشكلات الأوراق الرسمية لكثرة وتعدد الحالات اليومية على المدى القريب، وأوضحت أن اللجنة تحاول المساعدة في بعض الحالات الإنسانية التي تستوجب ذلك على أن يكون النظر فيها مختلف عن الحالات الأخرى بشكل عام.
وأوضحت أن لكل عائلة سورية مشكلات مختلفة عن غيرها، فالعمل في هذه الأمور صعب جداً لأن لكل شخص مشكلة خاصة يعاني منها تبعاً لوضعه وحالته.
وفيما يخص الحالات الإنسانية التي تحتاج لنقل إلى اسطنبول بشكل خاص نعاني من صعوبات في حلها لأن الأزمة الكبرى في اسطنبول ترجع لأن النظام متوقف في الوقت الحالي لعدم القدرة على استيعاب حالات جديدة للأشخاص من حملة الحماية المؤقتة أو حتى المهجرين الجدد.
فالنظام يغلق لأول مرة في اسطنبول حيث لا تتوفر عملية البصم وبذلك يستوجب على الشخص الراغب بالحصول على بطاقة الحماية المؤقتة استخراج تلك البطاقة من إحدى المحافظات التركية الأخرى ومن ثم يمكنه النقل إلى اسطنبول عبر الشروط التي حددتها الهجرة والتي يجب أن تتوفّر لدى السوريين الراغبين بنقل “الكيملك” وهي:
– الطلاب الجامعيون الذين قبِلوا في إحدى جامعات الولاية المُراد النقل إليها.
– الإحالات الطبية مِن المشافي الحكومية إلى الولاية المُراد النقل إليها.
– لم شمل الأسرة بين الأزواج وأبنائهم الذين تحت سن الـ 18 شرط وجود دفتر عائلة تركي.
– إذن عمل صادر عن الولاية المُراد النقل إليها، شرط أن يكون ساري المفعول.
وفيما يخص حالة السيدة “رشيدة” التي تعتبر من ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي تحمل تقرير طبي يثبت هذا الشيء مع القدرة على ملاحظة ذلك بالعين المجردة ولها ابن باسطنبول فمن الممكن أن يتم نقل الكيملك الخاص بها، وستساعد اللجنة حسب طلبكم في النقل وأمور الترجمة لعدم تفرغ ابنها بحكم عمله الممتد طوال النهار.
وتابعت السيدة “نجار” اللجنة ليس لها دعم مادي ولكنها تقوم بالتواصل مع الجمعيات الخيرية والفرق التطوعية ومن الممكن تقديم المساعدة عن طريق تلك الجهات من خلال تأمين مترجم للمساعدة داخل المشفى وحل أمور التنقل للحصول على التقرير الطبي بمجرد وصول الرد عبر القوائم المرسلة.
رأي أصحاب الخبرة
تقول الصيدلانية الأستاذة “إكرام قشوع” من وحي عملها لفترة قريبة في عدة مراكز صحية بمدينة اسطنبول إلى “سيريا برس” ، تعتبر مشكلة التواصل مع الأطباء من أكبر العوائق للحصول على الخدمات الطبية إضافة إلى قلة عدد المترجمين في المشافي وعدم قدرة معظم اللاجئين دفع تكاليف للمترجم الخاص، بالإضافة إلى بعض الاحتياجات الطبية مثل سماعات الأذن التي يعجز بعض اللاجئين عن تأمينها ولا توجد أي جهة تغطي تكاليفها، وبعض العمليات الجراحية الهامة والتي لا تتكفل نفقاتها مشافي الدولة مثل عمليات زراعة الحلزون في الأذن.
وتضيف السيدة إكرام، يستطيع أي لاجئ حاصل على بطاقة الحماية المؤقتة “الكملك” من اسطنبول الاستفادة من كافه الخدمات الطبية المقدمة من مشافي الدولة مجانا” من معاينات وعمليات جراحية وأدوية باستثناء بعض الحالات الخاصة، وتقوم بعض المنظمات بمساعدة ودعم اللاجئين لتحصيل هذه الخدمات مثل منظمة “yeryüzü doktorlar,dünya doktorları,asam” من خلال مساعدة المرضى بحجز المواعيد في المشافي واستخراج تقارير الإعاقة ومرافقة بعض المرضى ذوي الحالات الخاصة إلى المشفى ومتابعة حالتهم الصحية ولكن عدم امتلاك كملك اسطنبول يحول دون الاستفادة من أي من هذه الخدمات حتى في بعض الحالات الصحية الخاصة كحالة السيدة رشيدة التي تحتاج إلى جهاز للمشي وأدوية دائمة لذالك لابد من التواصل مع إدارة الهجرة في اسطنبول من قبل المعنيين لنقل “الكملك” لهذه الحالات الصحية الخاصة.
وبحسب السيدة ” إكرام” ترصد المنظمات ميزانية لبعض الحالات الإنسانية الخاصة كحالة السيدة “رشيدة” وبعد دراسة الحالة وتقييمها، فمن الممكن أن تتكفل المنظمة بتكاليف العلاج ولكن هذه الميزانية غير كافية في كثير من الأحيان ولا تستطيع تغطية تكاليف علاج معظم المرضى لذالك لابد من توافر دعم إضافي لمثل هذه الحالات الخاص.
إلى هذا، أضاف الأستاذ سعيد نحاس رئيس مجلس إدارة منظمة “سند” لذوي الاحتياجات الخاصة، يقدر عدد ذوي الاحتياجات الخاصة التي تسببت براميل عصابة الأسد وصواريخ القاتل الروسي بفقدانهم أطرافهم في سوريا بأكثر من مليوني شخص، يعيش منهم في تركيا ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص، أصبحت تلك شريحة كبيرة من أهلنا في المجتمع السوري , لا بد أن تلقى العناية والرعاية اللازمة.
لم يبق بيت سوري أو عائلة ليس فيها شهيد أو معتقل أو معاق، وفي هذا الصدد فإن النسبة الغالبة ممن تغيرت حياتهم إلى الأبد كانوا أناسا طامحين مليئين بحب الحياة والإنجاز، فأتى برميل الحقد ليحيلها مليئة بالأسى ولا بد من ترميم ذلك.
وأشار السيد “نحاس” إلى أن شريحة أكبر قد تعطلت بعدما اضطرت لإفراد وقت وجهد ومال ومشاعر وانصراف عن الطموح الذاتي للعناية بأفراد من عوائلهم أعيقوا، وتسبب ذلك بمشاكل معقدة على أصعدة مختلفة .
تراكبت المشاكل على ذوي الإعاقة، خصوصا الأطفال الذين لم يتلقوا تعليما وكبار السن المحترمين الذين تأذت أنفسهم ومشاعرهم قبل أن تتألم جوارحهم، والنساء اللواتي أصبن بشتى أنواع الحرج في مجتمع قد يتنمر فلا يرحم ولا يعي ولا يقدر .
أضاف السيد “نحاس” كان لظروف الحرب والقلق المستدام وسوء التغذية دور في ضعف المناعة للحوامل، ما تسبب وفق مشاهداتي في زيادة أعداد الإعاقة بالولادة، وتوقفت الكثير من المنظمات المعنية بتركيب الأطراف الصناعية لتوقف التمويل، ولا يلبي العامل منها الاحتياج الكبير، بينما يدفع المانح للتدريب والتعليم والموسيقى والدعم النفسي، ويتحفظ كثيرا عندما تحدثه عن أولى وأول الاحتياجات لذوي الاحتياجات وذويهم.
من هم ذوي الاحتياجات الخاصة؟
وفق اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ميثاق الأمم المتحدة، التي اعتُمدت في عام 2006 ودخلت حيز النفاذ في عام 2008، يشمل مصطلح ”الأشخاص ذوي الإعاقة“ كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّيَة، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
والغرض من هذه الاتفاقية تعزيز وحماية وكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة.
ومن مبادئ هذه الاتفاقية، احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم؛ عدم التمييز؛ كفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛ احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية؛ تكافؤ الفرص؛ إمكانية الوصول إلى المرافق العامة والمساحات الخارجية؛ المساواة بين الرجل والمرأة؛ واحترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.
ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا
وفقاً للمـادة 3 مـن قانـون الحمايـة المؤقتـة في تركيا، يجـب تصنيـف كل مـن “القاصريـن غيـر المصحوبيـن بذويهــم، وذوي الإعاقــة، وكبــار الســن، والحوامــل، والوالــد أو الوالــدة المصحوبيــن بأطفــال، إضافـة إلـى ضحايـا التعذيـب والاعتـداء الجنسـي وغيـره مـن أشـكال العنف ضمـن صاحب الاحتياجات الخاصـة”.
وفيما يتعلق بالمخاطر التي تواجه اللاجئين السوريين من ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا، كشف “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” في دراسة أعدها بالتعاون مع جامعة “يورك” الكندية في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2020، والذي يوافق اليوم العالمي لذوي الإعاقة من كل عام، أن أنواع الإعاقات تشمل الرؤية والسمع والقدرة على التنقل والتواصل والحاجز اللغوي والعناية الذاتية، والأمراض المزمنة والصحة العقلية، وأبرزت الدراسة أكثر التحديات التي تواجه اللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة، فور وصولهم إلى تركيا والتي يأتي على مقدمتها الحصول على خدمات الرعاية الصحية.
وأوصت الدراسة الجهات المختصة في تركيا ببناء المزيد من المراكز الصحية المتخصصة المجانية لمساعدتهم، وتوفير مناطق آمنة وهادئة لهم، إلى جانب زيادة عدد المترجمين الفوريين في مخيمات اللاجئين، وخاصة في المناطق الحدودية.
نقل بطاقة الحماية المؤقتة إلى اسطنبول وتقرير طبي من مشفى حكومي يوصف الحالة الصحية للسيدة “رشيدة” جل مطالبها، لتستطيع تصليح الجهاز أو تبديله لمساعدتها على المشي من جديد لعل وعسى يكون بلسماً للحالة النفسية السيئة التي تعاني منها إلى جنب إعاقتها الجسدية والأمراض المزمنة التي ترافقها وتمنعها من العلاج، فهل من مستجيب؟.
غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا
تمّ إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affaris Canada
نقلا عن أنباء سوريا