لم تعد لندن تخفي انخراطها العسكري المباشر في الميادين العربية الساخنة وفق هدف الحرب ضد داعش، ولم يعد الهمس البريطاني يتحدث عن خدمات تدريبية ومعلوماتية تمنحها بريطانيا هنا وهناك، بل إن الصوت بات عاليا في الإفصاح عن عمليات عسكرية تخوضها قوات بريطانية في ليبيا وسوريا على الأقل، وربما عن دور في العراق إلى جانب 4 آلاف “مستشار” عسكري أميركي.
وتنقل صحيفة “التايمز” عن مصدر عسكري بريطاني، أن قوات خاصة بريطانية تعمل في الخطوط الأولى في سوريا لإعادة تحصين دفاعات إحدى قواعد فصيل معارض ضد الهجمات اليومية لتنظيم داعش.
ويعتبر هذا الكشف أول دليل معلن عن ماهية العمليات التي يقوم بها البريطانيون في سوريا، كما توفّر مؤشرات للمراقبين عن طبيعة التحرك العسكري الأطلسي في المنطقة، لا سيما في سوريا، والذي طالما اكتنفه الصمت والغموض.
وكان الشائع قبل ذلك، على الأقل بالنسبة إلى الصحافة البريطانية، أن القوات البريطانية، كما الأميركية، تقوم بتدريب بعض فصائل المعارضة السورية وتزودها بالمعلومات الاستخباراتية في إطار الحرب ضد داعش، لكن ما كشفته التايمز يفيد بأن القوات الخاصة اخترقت الحدود الأردنية في اتجاه قرية التنف لتقديم الدعم لـ”جيش سوريا الجديد” هناك.
وظهر الفصيل المعارض الجديد في الأشهر الأخيرة، حين استطاع في مارس الماضي انتزاع معبر التنف على الحدود مع العراق من عناصر داعش التي كانت قد سيطرت عليه في مايو من العام الماضي. وتتحدث المعلومات عن أن الفصيل الجديد، الذي يحظى بدعم عسكري لوجيستي وأميركي، يعتمد على عناصر عسكرية من القوات الخاصة السورية التي انشقت عن نظام دمشق.
وتتحرك القوات الخاصة البريطانية في سوريا كما تتحرك أيضا في ليبيا. فقد سبق لصحف لندن أن أماطت اللثام الأسبوع الماضي عن قيام القوات الخاصة البريطانية بتدمير آليتين انتحاريتين لتنظيم داعش في مدينة مصراطة، ما كشف أيضا عن أن طبيعة المهام الموكلة إلى تلك القوات تتجاوز التدريب وتقديم المشورة والمعلومات، وأن لتلك القوات مهاما قتالية مباشرة.
والظاهر أن مسوغات دستورية تدفع لندن إلى نشر قواتها الخاصة في الخارج، ذلك أنه، وعلى خلاف ما هو مطلوب بالنسبة إلى القوات العسكرية العادية، فإن نشر قوات خاصة لا يتطلب موافقة البرلمان في بريطانيا.
ويقول المراقبون إن ذلك الخيار نتج بعد أن فشل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، قبل عامين، في الحصول على الأصوات الكافية في مجلس العموم للقيام بشن غارات ضد نظام الأسد في سوريا. ويبدو أنه منذ ذلك الوقت قامت لندن وواشنطن بنشر قوات خاصة في سوريا والعراق بصفة استشارية حسب التعبيرات الرسمية للبلدين.
وتلفت مصادر عسكرية مراقبة إلى أن بريطانيا والولايات المتحدة تنسقان جهودهما العسكرية في الميدان السوري، وأن البلدين يعملان على توفير أرضية عسكرية جادة لضرب داعش في سوريا والعراق.
وكان تنظيم داعش قد هاجم بسيارة انتحارية قاعدة لـ”جيش سوريا الجديد” في التنف، قبل شهر، ما أدى إلى مقتل 11 وإصابة 17 تمّ نقلهم بواسطة طوافات أميركية إلى داخل الأردن. وتنقل التايمز عن ضباط معارضين أن القوات الخاصة البريطانية تساعد في إعادة تأهيل دفاعات القاعدة التي تضررت منذ ذلك الهجوم.
وتتحدث مصادر متابعة لشؤون المعارضة السورية أن “جيش سوريا الجديد” هو أحد ثمار برنامج البنتاغون لإنشاء فصائل سورية معارضة ودعم أخرى بهدف محاربة داعش. وتقول مصادر أميركية إن البنتاغون رصد لهذا البرنامج ميزانية من 500 مليون دولار، إلا أن نكسته الأولى جرت حين قامت قوات تابعة لجبهة النصرة بخطف عناصر الوحدات السورية الأولى التي خضعت لتدريب هذا البرنامج واستولت على أسلحتها.
ورغم أن البنتاغون جمّد هذا البرنامج بعد تلك الحادثة، إلا أنه أعاد تنشيط تلك المساعي من خلال دعم فصيل كـ”جيش سوريا الجديد” في جنوب سوريا، ودعم “قوات سوريا الديمقراطية”، المفترض أنها خليط كردي عربي في شمال البلاد.
وعوّلت واشنطن على العنصر الكردي في حربه ضد داعش في شمال سوريا، مثنية على الإنجازات التي حققتها قوات حماية الشعب الكردية أيضا رغم الرفض التركي لأي حراك كردي يمثّل تواصلا مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، المصنّف إرهابيا من قبل أنقرة (وواشنطن).
وتحرص لندن بالتعاون مع واشنطن على مواكبة ما حققته قوات “جيش سوريا الجديد” وتثبيت أقدامه في قرية التنف لأهمية إنجاح هذه التجربة في الجنوب على غرار ما تحقق شمالا، وللأهمية الاستراتيجية للقرية كونها قريبة من الحدود مع كل من الأردن والعراق. وغالبا ما تقوم الطائرات الأميركية بالتدخل لتخفيف الضغط الذي يمارسه داعش ضد مواقع ذلك الجيش أو لتأمين الغطاء الجوي لتحركه.
العرب