أغصان مقطعة هنا وهناك بيوت مدمرة وأشلاء في كل مكان صيحات النساء مع تكبيرات الرجال وشهداء وجرحى، تلك هي كانت حالة الحي الشعبي في مدينة ادلب بعد أن أغار عليه طيران النظام المروحي الحاقد ببرميلين متفجرين، عقب تحرير المدينة بعدة أيام.
أبو محمد رجل متدين يبلغ من العمر 40 عاما كان لديه أسرة مكونة من 5 أفراد وكانت حياته مثالية، إلا أنه بعد قيام الثورة السورية انقلبت حياته رأسا على عقب، فقد كان من أول الذين خرجوا في التظاهر السلمي ضد نظام بشار الأسد رغم معارضة زوجته لما يفعله بسبب خوفها عليه من الاعتقال، لكن حصل ما كانت تخشاه، ففي إحدى مظاهرات يوم الجمعة قامت قوات النظام بمهاجمة المتظاهرين، واعتقلت أبو محمد واقتادته إلى أحد الأفرع الأمنية.
وتقسم أجهزة المخابرات في سوريا إلى خمسة أفرع كل منها يختص بمجال معين وجميعها تعمل على تعذيب المعتقلين أشد تعذيب لتجبرهم على الاعتراف بأشياء لم يفعلوها، وهي الأمن الجوي والأمن الجنائي والأمن السياسي والأمن العسكري وأمن الدولة.
وبعد ثلاث أشهر أمضاها أبو محمد في أقبية فرع أمن الدولة ذاق خلالها أشنع أنواع الذل، خرج أبو محمد من السجن نحيلا وآثار الحروق المتعمدة لازالت تحفر جسده المورم، والزوجة تنظر لزوجها غير مصدقة ما يحدث، والأبناء يبكون من مظهر والدهم الذي لم يعهدوه، ولكن أبو محمد كان محظوظا لأنه خرج من السجن حيا يرزق.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه تمكن من توثيق مقتل 12 ألف و751 شخص، داخل سجون وأفرع مخابرات النظام السوري، منذ انطلاق الثورة السورية في 18-03-2011 حتى يوم 12-03-2015 بينهم 108 من الأطفال تم توثيقهم، وبعضهم يتم إبلاغ ذويهم بأنهم ماتوا جراء أزمات قلبية وأمراض كلوية وغيرها، والبعض الآخر يتم دفنهم بمقابر جماعية.
مرت الأيام وتعافى أبو محمد من جراحه والأمراض التي سببها اعتقاله من قبل قوات النظام والتعذيب الذي تعرض له، وأكمل أبو محمد حياته كالمعتاد إلى أن تم تحرير مدينة ادلب من قبل كتائب جيش الفتح، وبعد تحريرها أخذ المدنيون بالنزوح باتجاه الأرياف والمناطق الأكثر أمانا بسبب القصف اليومي من قبل طيران النظام على المدينة، ولكن أبو محمد كان من القلة الذين رفضوا ترك مدينتهم وبقوا في منازلهم.
وبين ما كان أبو محمد يخطف أغراضه من السوق بسرعة خوفا من قصف النظام للسوق، وفي لحظة سمع أبو محمد صوت برميل متفجر ينزل على المدينة ورأى دخانا يتصاعد من جهة منزله بعد الانفجار.
هرع أبو محمد مسرعا نحو منزله ليجد حارته الشعبية كومة ركام امتزجت بأشلاء أفراد عائلته وجيرانه، اقترب أبو محمد أكثر ليرى قسما من جسد طفله المستشهد، لم يتحمل الموقف فانهار وجلس على حجر من حطام بيته يبكي ويدعو ربه بالانتقام من النظام الذي حرمه عائلته بأكملها.
تتكون البراميل المتفجرة من قوالب معدنية أو إسمنتية مزوّدة بمروحة دفع في الخلف وبصاعق ميكانيكي في المقدمة، و تحمل هذه البراميل ما بين 200 و300 كيلوغرام من مادة “تي أن تي” المتفجرة، وتضاف إليها مواد نفطية تساعد في اندلاع الحرائق عند إصابة الهدف، وقصاصات معدنية مثل المسامير وقطع الخردة المستخدمة في صناعة السيارات، لتكون بمثابة شظايا تُحدث أضرارا مادية في البشر والمباني، وتـُحدث دمارا كبيرا وضغطا هائلا مصحوبا بكتل كبيرة من اللهب داخل دائرة قطرها 250 مترا دون أي دقة في إصابة الأهداف.
لم تكن قصة أبو محمد هي الوحيدة فقد قتل النظام آلاف المدنيين منذ بدء الحراك الثوري، وسط الإدانات الدولية الخجولة التي يرى فيها النظام الضوء الأخضر في قتل المزيد من الشعب السوري.
المركز الصحفي السوري ـ محمد المحمود