على أحد جدرانها العتيقة نقشت حروف نابعة من صميم أطفال أصروا على متابعة تعليمهم رغم ظروف الحرب القاسية التي سرقت منهم طفولتهم واغتالت أحلامهم البريئة، لترسم عبارة تختصر آلامهم ورغباتهم “بدنا نتعلم”.
إنهم طلاب مدرسة بنش الريفية وهي أقدم مدرسة في المدينة، فقد استهدفتها غارات النظام الحاقدة يوم أمس ما أدى لخروجها عن الخدمة بشكل نهائي بعد استهدافها سابقا وتعرض جزء منها لدمار كبير، ولولا مشيئة الله وقدره لكانت حدثت مجزرة بين طلابها، فقد كانت تكتظ بهم قبل نصف ساعة من موعد الغارة.
وبحسب مدير المدرسة فسوف يتم إعادة تأهيلها وإصلاح ما أمكن من أجزائها بهدف إعادة فتحها من جديد لاستقبال أبنائها الذين لازموا منازلهم بسبب عدم وجود مدرسة أو مكان بديل، وذلك بجهود بعض الداعمين وأهالي المدينة الميسورين ليعود طلابها لبيتهم الثاني ويواصلوا مسيرتهم التعليمية وكأن شيئا لم يكن.
ولم ينفك نظام الأسد طيلة سنوات الحرب المنصرمة عن استهداف المنشآت الخدمية في المناطق الخارجة عن سيطرته ليفرغ جام حقده وغضبه فيها وليجبر الأهالي على تركها والالتحاق بمناطقه، ومع بدء عام دراسي جديد، كثف من غاراته مستخدما كافة أنواع الصواريخ لتكون مدارس أبنائها شغله الشاغل ضاربا بعرض الحائط كافة معايير الإنسانية وغير آبه بالضرر الكبير الذي قد يخلفه هذا القصف، ويتعمد ذلك مبررا لنفسه أنه يحارب بذور الإرهاب قبل أن يكبروا ويحاربوه.
تحدثنا أم محمد من مدينة بنش عن مشاعر ابنها بعد قصف مدرسته:” استيقظ اليوم باكرا ولبس ثياب المدرسة وجلس حزينا ينظر من شباك غرفته بحسرة لمشاهدته باقي الطلاب ذاهبين لمدارسهم، لم أعد أجرؤ على إرساله حتى وإن تم إعادة فتح مدرسته، فالنظام لايرحم ولايمكن الوثوق به”.
فيسود جو من التوتر والخوف بين الأهالي في معظم المناطق المحررة وبالأخص في محافظة ادلب وريفها، إذ أن النظام يشن حملة عسكرية شرسة بمساندة حليفته روسيا بشكل يومي مستهدفا التجمعات في الأسواق والمدارس، وقد عزف العديد منهم عن إرسال أبنائهم إليها خشية عليهم، والبعض الآخر اعتاد على الوضع فما من أمل بحل قريب ينهي هذه الحالة.
لم يدمر طيران النظام جدران المدرسة فحسب، بل دمر معها ذكريات معلقة في مخيلة أبنائها وفي كل زاوية وركن منها، في مقاعدها الخشبية التي يعبق منها رائحة الماضي، ويسعى النظام جاهدا لإفشال العملية التربوية والتعليمية في المناطق المحررة ليكون الجهل والتخلف عنوانين دائمين لأجيالها القادمة، إلا أنهم بعبارتهم التي رسموها على جدارها قهروا بها أعداءهم وكسروا شوكتهم، فما هدم سيعاد بناؤه من جديد، وسيواصلون مسيرتهم من العلم والمعرفة، وأخيرا لابد للحق أن ينتصر مهما ذاق أهله من الظلم والقهر مايكفيهم، وإرادة الله أقوى من صواريخ حقدهم.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد