قبل نحو عام من اليوم، طرح مسؤولون عرب، خليجيون تحديداً، على الروس إقتراح تشكيل مجلس حكم ثلاثي إنتقالي في سوريا، يخلف الرئيس بشار الاسد، ويضم ممثلاً عن النظام، وآخر عن المعارضة، وثالثاً تعينه الامم المتحدة، فتحسم مسألة خلافة الاسد في المرحلة الانتقالية من دون إقصاء مؤسسات النظام ويكون الخطوة الاولى من عملية سلام بعيدة المدى تنتهي مرحلتها الأولى بوضع دستور وانتخابات، وتنهي واحدة من أعنف وأصعب الحروب التي يواجهها عالم اليوم، وتطلق عملية إعادة بناء ما هدمته تلك الحرب من البنيان السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
يومها كانت الفكرة اجتهاداً في الإجابة على التساؤلات الروسية المتواصلة حول البديل مباشرة بعد بشار الأسد، وعلى تطلعات السوريين وغيرهم إلى خطوة عملية نحو مخرج من تلك المذبحة التي ليس لها أفق سوى المزيد من الغرق في الرمال المتحركة، وفي لعبة الاستنزاف المتبادل بين جميع أطراف تلك الحرب، السوريين والعرب والمسلمين وبالطبع الروس والاميركيين.
كانت دافع التساؤل الروسي إحراج من يريد تغيير الأسد. ولكن الذي أجاب كان يعرف أن روسيا مقتنعة بأن تلك الحرب التي دخلت طرفاً مباشراً فيها، ليس لها حل عسكري، وافترض عن قصد أن الروس يدركون أن بشار الاسد ليس له مستقبل بعيد، وبأن النظام والجيش والدولة هم الهدف الرئيسي والوحيد للحملة العسكرية الروسية الأوسع منذ حرب أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي. وربما، كانت موسكو تبحث عن مخرج فعلا، تطلب أفكاراً جدية، لا تمس جوهر محظوراتها ولا مصالحها السورية، وتساهم في تعزيز وضعها الدولي، وفي تعديل مسار علاقاتها المضطربة مع الغرب نتيجة الازمة الاوكرانية.
لم يعلق الروس في حينه على الاقتراح التي يتسم بالكثير من الدهاء، لا سيما وأن إدارة الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما، كانت غير مهتمة بالمشاركة في أي نقاش حول الازمة السورية. ولعل السبب هو ان فكرة المجلس الثلاثي تحد تلقائياً من دورهم، وتعتبرهم شريكاً مع آخرين في تحديد معالم مستقبل سوريا، وليس الوصي او المنتدب الوحيد، ولا تسلم لهم بالمكتسبات التي حققوها منذ دخولهم العسكري الى سوريا، بل تخضع هذه المكتسبات للتفاوض.
كان من السهل التكهن بأن روسيا تحفظت ضمناً على الاقتراح: يمكن العثور بسهولة على ممثل للنظام، وعلى ممثل للمعارضة، أما العضو الثالث فإن مهمة تعيينه التي أُنيطت بالامم المتحدة، وليس الى الكرملين، هي التحدي الفعلي، الذي لم يكن الروس ليقبلوا به قبل معركة حلب، ولا بعدها طبعاً.. خصوصاً وأن ذلك العضو المعين من قبل الهيئة الدولية يحظى بتفويض من مجلس الامن الدولي، الذي يفترض ان يحدد مهماته بدقة، ويتمتع بالتالي بتغطية من الادوات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية التي يوفرها أعضاء المجلس الخمسة الكبار، لإنهاء الحرب السورية.
كان الاقتراح بمثابة دعوة الى موسكو للتعاون مع المجتمع الدولي في سوريا، بدل المضي قدماً في مصادرة ذلك البلد كلياً، والتفرد في إدارة العمليات العسكرية والجولات التفاوضية، وحتى في تشكيل الوفود المفاوضة وأسماء المفاوضين، على نحو ما جرى في مسار الاستانة الالتفافي على جنيف، والذي لم يسفر حتى عن أي نتيجة يمكن لروسيا ان تتباهى بها، أو أن تخدم مساوماتها مع الاميركيين ومع الغرب تحديداً.
لم يكتب النجاح لذلك الاقتراح. ما شهده الميدان السوري في الاشهر القليلة الماضية، أدى الى سحبه من التداول.. ثم جاءت الخطة الاميركية التي عرضها وزير الخارجية ريكس تيلرسون على الكرملين الشهر الماضي، والتي تضمنت بنداً ينص على توفير ملاذ آمن لبشار في روسيا أو إيران، والتي لم تفصح حتى الان عن البديل المنشود. مجلس ثلاثي ، خماسي، سباعي..مجلس مدني أم عسكري أم مختلط.
للبحث صلة بمعركة الرقة الاميركية، وبمعركة دمشق الروسية. وكلتاهما تحتاج الى المزيد من الوقت والجهد والتضحية بالكثير من السوريين.
ساطع نور الدين