قالت صحيفة “واشنطن بوست” أنّ إدارة بايدن منحت حصانة قانونية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهي حماية لم تعرضها حتى إدارة الرئيس دونالد ترامب.
بالنسبة لمنتقدي محمد بن سلمان، فإن قرار الحصانة هذا إهانة جمّة بحقهم. من المرجح أن يثير هذا القرار اعتراضات جديدة داخل الكونغرس وبين أوساط ناشطي حقوق الإنسان بشأن مراعاة إدارة بايدن لابن سلمان بناءً على أسباب تتعلق بالسياسة الواقعية – وأنها تعرّض قيمها للخطر عبر هذه العملية، وفق الصحيفة.
واضافت الصحيفة أنّ القرار نجم عن دعوى قضائية في محكمة جزئية فدرالية في واشنطن ضد ابن سلمان وحوالي 20 متهمًا آخر رفعتها خطيبة جمال خاشقجي، كاتب الأعمدة المساهم في صحيفة البوست الذي قُتِل على يد عملاء سعوديين في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وتزعم الدعوى أنّ ولي العهد والمتهمين الآخرين مسؤولون عن جريمة القتل تلك.
هذا الإجراء هو الأحدث في سلسلة من الجدليات التي أعقبت جريمة قتل خاشقجي، والتي خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي أيه” أنها نتيجة عملية أذن بها ابن سلمان نفسه. إدارة ترامب حمت الزعيم السعودي، لكن الرئيس بايدن ادعى في بداية الأمر أنه سيحاسبه ووصفه بـ “المنبوذ”. لكن مع مرور الوقت، استسلم بايدن للأسف لما اعتبره ضرورةً لإصلاح العلاقات مع الرجل الذي قد يصبح ملك السعودية لعقود مديدة.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية إنّ قرار منح الحصانة كان “قرارًا قانونيًا بحتًا”، نجم عن تولي ابن سلمان مؤخرًا منصب رئيس الوزراء. ولكن كان بوسع وزارة الخارجية والبيت الأبيض التدخل لأسباب سياسية لمنع تقديم الإعفاء القانوني الذي سعى إليه ابن سلمان لأكثر من عامين.
فيما طلب قاضي المحكمة الجزئية الأميركية جون بيتس الذي ينظر في قضية خاشقجي من وزارة العدل في يوليو/تموز إصدار حكم بشأن ما إذا كان يجب منح ابن سلمان حصانة سيادية بطلب من محاميه. يوم 27 سبتمبر/أيلول، قبل ثلاثة أيام من الموعد النهائي لرد وزارة العدل، أعلن العاهل السعودي الملك سلمان نجله رئيسًا للوزراء. وحفّز ذلك قرار يوم الخميس بإعلان أن ابن سلمان يستحق الحصانة السيادية بصفته “رئيس حكومة”. يمكن تصور رفض بيتس وثيقة وزارة الخارجية، ولكن من غير المحتمل رفضه خيارًا حكوميًا طلبه بنفسه.
قرار وزارة الخارجية رُفِع في وقت متأخر من يوم الخميس. وجاء في التقديم أنّ “الولايات المتحدة تبلغ المحكمة باحترام أن المتهم ابن سلمان، رئيس وزراء المملكة العربية السعودية، هو رئيس الحكومة الحالي وبالتالي فهو محصن من هذه الدعوى”.
جادلت سارة ليا ويتسن، التي تترأس مجموعة تسمى “الديمقراطية في العالم العربي الآن” أو DAWN التي رفعت الدعوى مع خطيبة خاشقجي خديجة جنكيز، أنّ “اقتراح إدارة بايدن بمنح الحصانة لابن سلمان ليس مجرد خطأ من الناحية القانونية، بل هو خطأ كقرار سياسي”. كما جادلت ويتسن أنّ منح الحصانة كان “تنازلًا غير مستحق” للزعيم السعودي “سيشجعه بلا شك على مواصلة انتهاكاته القاسية”.
بدأ ابن سلمان مسعى الحصول على الحصانة في المحاكم الأميركية بعد اتهامه بالاسم في دعوى قضائية رفعها سعد الجبري، مسؤول سعودي كبير سابق في مجال مكافحة الإرهاب، أمام محكمة جزئية فيدرالية بواشنطن في أغسطس/آب 2020. وطالب محامو ابن سلمان برفض الدعوى بذريعة ما زعموا أنه حصانة سيادية إضافةً إلى مسائل أخرى. ولم توافق إدارة ترامب على هذا الطلب.
وفي شكواه المعدلة لعام 2021، اتهم الجبري الزعيم السعودي بإرسال فرقة اغتيال لقتله عام 2018 في كندا، حيث فر بعد أن طرده ابن سلمان من منصبه عام 2015 وبعد أن أطاح ابن سلمان عام 2017 بولي العهد الأمير محمد بن نايف الذي عمل مع الجبري عن كثب في وزارة الداخلية السعودية.
تباحثت وزارة خارجية بايدن عمّا إذا كانت قضية الحصانة مسألة سياسية تنطوي على قضايا مهمة في مجال حقوق الإنسان وليست مجرد مسألة قانونية، كما أخبرني مسؤول في الإدارة. ولكن كان هنالك حجة قانونية قوية مفادها أنّ رؤساء الوزراء يحصلون على الحصانة بشكل منتظم وروتيني. وفي نهاية المطاف، كما كان الحال في كثير من الأحيان مع ابن سلمان، انصاعت إدارة بايدن إلى رغبات الزعيم السعودي.
قرار الحصانة لا يعرقل الدعوى المرفوعة من قبل خطيبة خاشقجي فحسب. بل سيحمي ولي العهد من أي إجراءات قانونية بشأن القضايا المتعلقة بحظر السفر وانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة الأخرى. وبحسب تقارير إعلامية، فقد مُنِع مواطنان أميركيان على الأقل، هما سعد الماضي ومحمد سالم، من مغادرة السعودية منذ زيارة بايدن للمملكة في يوليو/تموز.
أصبحت تحية الرئيس بقبضة اليد خلال تلك الرحلة رمزًا للمراعاة السياسية مع الزعيم السعودي ومطالبه. منحه الحصانة لن يمنحه ترحيبًا وديًا فحسب، بل سيكسبه أيضًا درعًا قانونيًا سيكون من الصعب كسره.
رابط المادة