لم يخف تكتل الضابط السابق ميشال عون “للإصلاح والتغيير” امتعاضه الشديد من تدفق اللاجئين السوريين (السنّة) إلى لبنان ورأى فيهم “تهديداً لوجوده”، وحذر بشكل متكرر ومبالغ فيه من احتمال “توطينهم”. واعتبر البعض ذلك وجهة نظر طرف سياسي لبناني، على رغم الخلفيات العنصرية والطائفية التي تشوبه. أما أن يقوم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، صهر زعيم التكتل نفسه وممثله الرئيسي في الحكومة، بتحذير دولة أوروبية من الخطر الذي يشكله النازحون السوريون والعراقيون على “ثقافتها وصورتها”، فأمر يدخل في باب النفاق السياسي والأخلاقي.
تحذير باسيل خلال زيارته الحالية إلى هلسنكي من أن تؤدي الهجرة الجماعية إلى “زعزعة الأسس التي بني عليها الاتحاد الأوروبي كمجموعة من القيم وجماعة من الشعوب”، وأن “تهدد التنوع” في القارة العجوز و”تفتح الباب أمام الإرهابيين”، انعكس تعليقات ساخرة في الصحافة الفنلندية، علماً أن نظيره الوزير الفنلندي تيمو سويني الذي ينتمي إلى حزب معاد لأوروبا، كان أقل حماسة من باسيل بكثير في استعراض المخاطر على بلاده، وهو عضو في حكومة عرض رئيسها تقديم منزله الخاص لاستضافة لاجئين من الشرق الأوسط.
وتحت عنوان “وزير خارجية لبنان قلق على صورة فنلندا”، قالت صحيفة “فنلند توداي” أنه “على رغم المسافة الشاسعة التي تصل إلى 3200 كيلومتر بين البلدين، إلا أن وزيري خارجية لبنان وفنلندا لا يتقاسمان فقط المعتقدات الدينية (كلاهما كاثوليكي، وهذا تفصيل مهم في فنلندا التي ينتمي 78 في المئة من سكانها إلى الكنيسة اللوثرية)، بل توافقا أيضاً على الحاجة إلى وقف الهجرة الجماعية”، مضيفة أن باسيل “تساءل عما إذا كانت فنلندا ستستطيع الحفاظ على ثقافتها وصورتها التاريخية” بعد استقبالها نحو 35 ألف لاجئ، مع أن مساحتها تبلغ عشرات أضعاف مساحة لبنان، واقتصادها بين الأكثر ازدهاراً في أوروبا.
وكأن الوزير اللبناني، مع الفوارق الكبيرة والكثيرة، يستعير أفكار وتعابير المرشح الجمهوري الأخرق للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الذي يرى في استقبال بضعة آلاف من اللاجئين السوريين تهديداً “إرهابياً” للولايات المتحدة، ويدعو إلى منع المسلمين من دخول بلاده وإلى بناء سور على الحدود مع المكسيك بسبب مخاطر الهجرة على “القيم الأميركية”.
ولو دقق الفنلنديون قليلاً في المعلومات عن باسيل لوجدوا أن حماه (والد زوجته) عون، مؤسس الحركة التي ينتمي إليها، كان لاجئاً في فرنسا طوال 15 عاماً، وأن الذي هجّره إليها هو والد الرجل الذي يهجّر اليوم ملايين السوريين داخل بلدهم وإلى خارجه، بسبب خيار “الحل العسكري” الذي يتبناه ويؤيده فيه باسيل عندما يصرح بأن “الإرهاب” هو سبب موجة النزوح الهائلة من الشرق الأوسط وليس النظام المستبد في دمشق وحلفاؤه الروس والإيرانيين وتوابعهم.
تبدو تصريحات باسيل عن اللاجئين، سواء في لبنان أو الخارج، مفتعلة تتقصد النيل من ثورة الشعب السوري ومعاناته، وتحريفاً مقصوداً لحقيقة أن السوريين لم يكن لهم خيار في اضطرارهم إلى ترك بيوتهم وقراهم ومدنهم، والهرب من العنف والقتل الجمعي في بلدهم بسبب حاكم يرفض التغيير ويعتبر المطالبة به “خيانة وإرهاباً”. ولا تخرج مواقف الوزير “البرتقالي” عن كونها مجرد تغطية بائسة لاستمرار بشار الأسد في تهجير المزيد من مواطنيه، بعد توعده الأخير ب “تحرير سورية كلها”.
الحياة