“روسيا وفرنسا تقصفان تنظيم الدولة ويداهما تكادان تكونان مشتبكتين” عنوان لإذاعة “آر أف في” الفرنسية يلخّص المشهد الحالي، فالبلدان على اختلاف مواقفهما بشأن الرئيس السوري بشار الأسد والأزمة الأوكرانية وقبلها الليبية، قررا الاتحاد من أجل مواجهة تنظيم الدولة في سوريا.
تضع موسكو وباريس إذن اليد في اليد للعمل “حلفاء” في الحملة ضد تنظيم الدولة الذي كوى بنيرانه البلدين؛ الأولى عندما أسقط الطائرة الروسية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الحالي مما أدى إلى مقتل جميع ركابها الـ224، والثانية عندما استهدف العاصمة الفرنسية بسلسلة من الهجمات المتزامنة أوقعت مئات القتلى والجرحى.
حطام الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء نهاية الشهر الماضي (الأوروبية) |
عدو مشترك
“يتعلّق الأمر بعدو مشترك، يهدد بتدمير كل الإنسانية… هذا التحالف يصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة عندما يتعلّق بمحاربة تنظيم الدولة”، هكذا يعلّق المؤرخ الروسي العسكري ميخائيل ماغيكوف عن أسباب التقارب بين فرنسا وروسيا، مشيرا إلى أن المرة الأخيرة التي حارب فيها البلدان جنبا إلى جنب تعود إلى الحرب العالمية الثانية.
وفي مواجهة “عدو مشترك”، بدت الحاجة ملحّة إلى “تحالف كبير وفريد” وفقا للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الـ26 من الشهر الحالي لبحث تعزيز الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة.
ومن باريس تأتي المواقف في اتساق تام مع الظرف الجديد، ويأخذ القادة الفرنسيون لهجة مغايرة لما سبق، تعتمد على دعم الحليف الروسي والثقة فيه أيضا.
آخر هذه المواقف كان موقف وزير الخارجية لوران فابيوس اليوم الخميس، الذي تحدث عن “انفتاح” في الموقف الروسي بشأن مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، حيث بدأت روسيا بقصف مواقعه على غرار فرنسا، مضيفا “نعتقد أنه (الموقف الروسي) صادق وعلينا حشد كل قواتنا” ضد التنظيم.
وتابع: “عندما اقترح بوتين تشكيل ائتلاف كبير (للتدخل في سوريا) -كان ذلك مطلع سبتمبر/أيلول- كنا أنا والرئيس نعتقد أنها فكرة جيدة شرط أن تستهدف روسيا تنظيم الدولة وليس الإسلاميين المعتدلين، ويبدو أنه حصل تطور في هذه النقطة”.
تعاون وثيق
وعلى الرغم من تأكيد المسؤول ذاته على ضرورة التحقق من الأمر خلال زيارة هولاند إلى موسكو، فإن هذه التصريحات جاءت مناقضة لتصريحات سابقة أكدت أن موسكو لم تستهدف مواقع تنظيم الدولة في سوريا بل مواقع المعارضة السورية المسلحة.
تصريحات تترك الباب مفتوحا على مصراعيه لتعاون “وثيق”، كان قد أكده بوتين بأمره البحرية الروسية في البحر المتوسط بالاتصال بنظيرتها الفرنسية لتنسيق عملياتهما في سوريا، والعمل معا “حلفاء” في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويبدو أن ملامح التعاون الروسي الفرنسي لن تقتصر على الجانب العسكري في محاربة تنظيم الدولة، بل تتعداه لتنسيق المواقف في مجلس الأمن الدولي الذي كان حلبة الخلاف الأولى بين الطرفين.
ففي الوقت الذي قدمت فيه روسيا مشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن لمكافحة ما يسمى الإرهاب، يركز على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ويأخذ في الاعتبار هجمات باريس واستهداف الطائرة الروسية فيسيناء؛ تعتزم فرنسا تقديم مقترح مشابه لمجلس الأمن أيضا.
تقارب وخلاف
وبحسب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، فإن المشروع لا يتناقض مع المقترح الفرنسي، معتبرا أنه “لا يوجد تنافس بين النصين” ولا حتى “تباعد كبير، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان بالإمكان جمع المشروعين في مشروع واحد”.
أما بالنسبة للسفير الفرنسي في الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر، فقد اعتبر أن النص الروسي قدّم “تعديلات طفيفة” بالنسبة للنص الذي قدمته موسكو نهاية سبتمبر/أيلول الماضي”.
وأشار إلى أن فرنسا تواصل وضع مشروع قرار “قصير وقوي ويركز على التصدي لعدونا المشترك، تنظيم الدولة، الذي تبنى الاعتداءات التي وقعت في باريس الجمعة الماضي”.
كل هذه التصريحات والمواقف المشتركة قد تضفي مزيدا من التقارب بين “أعداء الأمس، أصدقاء اليوم”، وتقودهم بشكل قوي نحو تحالف بدافع “الانتقام” من تنظيم هدد أمنهم وأباح دماء مواطنيهم، لكنها قد تكون واقعة تحت حكم الضرورة أو الظرفية، خاصة في ظل استمرار الاختلاف بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد ودوره.