على بعد 75 كيلو مترا شمال دار السلام قلب تنزانيا، تقف مدينة “باجامويو” العريقة، بكل ما تحويه من معالم وآثار قديمة، كأحد أبرز الشهود على الوجه القبيح والدموي للاحتلال الألماني في شرقي القارة السمراء.
وتعتبر باجامويو التي تعني حرفيا باللغة السواحلية “اترك قلبك”، مرآة حقيقية ليست لتاريخ تنزانيا لوحدها، بل لشرقي أفريقيا بأكملها، حيث كانت عاصمة ونقطة انطلاقٍ لنفوذ المحتل الألماني في دول رواندا وبروندي، فضلا عن مناطق من الكونغو.
تاريخيا، تشير الكثير من الآثار والمقابر التي عُثر عليها في المدينة خلال العقود الماضية، ويعود تاريخها إلى العصر الثالث عشر الميلادي، إلى مدى عمق وعراقة الوجود الإسلامي في المنطقة.
وبحسب مؤرخين، لعبت الرحلات التجارية دورا بارزا في انتشار الدين الإسلامي آنذاك في المنطقة التي كانت تغلب عليها عادات وأعراف، تُرسخ سيطرة الأقوياء على حقوق الضعفاء، ما جعلها أرضا مستقطبة للقيم الإسلامية السمحة.
ووقعت مقاليد السلطة في المنطقة، في أيدي حكام سلطنة عمان، خصوصا في الفترة بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلاديين.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، فرض الألمان سيطرتهم على المدينة، وأعلنوها عاصمة لهم بالمنطقة، ومركزا إداريا لحكم باقي المناطق في الشرق الأفريقي.
ومع قدوم الألمان، انطلقت فعاليات التبشير بالدين المسيحي، تحديدا في عام 1860، وتم تأسيس أولى الكنائس في المنطقة عام 1872، تلتها انشاء أول كاتدرائية عام 1908.
وخلال هذه الفترة، لم يتوقف شعب المنطقة المسلم عن مقاومة المحتل الجديد، الذي قدم للإستحواذ على خيرات البلد، وفرض نفوذه في منطقة حساسة؛ من أجل تثقيل كفته في ميزان السباق الاستعماري بين الدول الكبرى، الذي كان مشتعلا في ذلك العصر.
وجاء رد الألمان بعنف وقسوة، لم يشهدها شعب المدينة من قبل، إذ تشير إحصائيات دولية أن الألمان نفذوا عمليات الإعدام الجماعي، إما شنقا أو بإطلاق الرصاص، بحق آلاف من سكان المدينة، فضلا عن مصادرة كافة ممتلكات المقاومين.
وتنتشر نصب تذكارية للشهداء المقاومين، في أرجاء المدينة، من أبرزها النصب التذكاري وسط باجامويو، وعلى مسافة مائة متر بجانبه، يوجد نصب تذكاري آخر للجنود الألمان الذي قتلوا خلال فترة الاحتلال.
إلى جانب موقعها الجغرافي المميز، ووقوعها على ساحل المحيط الهندي، فضلا عن قربها من جزيرة زنجبار، ذات الموقع الاستراتيجي، اشتهرت باجامويوعبر التاريخ بتجارة العاج، إلى جانب كونها أحد أبرز مراكز تجارة العبيد في القارة الإفريقية.
وفي فترة الاحتلال الألماني صارت باجامويو، مركزا رئيسيا، لإمداد القارة الأوروبية والولايات المتحدة بالعبيد الأفارقة.
يُذكر أن بعد تأسيس هيئة عصبة الأمم، فور انتهاء الحرب العالمية الأولى، خضع كامل تنزانيا للاحتلال البريطاني الذي استمر حتّى العام 1961، ثم أُعلن قيام جمهورية تنزانيا الحالية عام 1964.
ويعيش في تنزانيا أكثر من 130 جماعة عرقية مختلفة أبرزهم بانتو، الذين يسكنون الوسط، إلى جانب باشنجا، ماكونزي، السوكوما، والسومبوا، وهناك جالية عربية وآسيوية وأوروبية، واللغة الرسمية هي الإنجليزية والسويحلية.
ويشكل المسلمون نصف سكان تنزانيا، وتنتشر فيها الديانة المسيحية وعدد من الديانات الأخرى، ويتمركز المسلمون في المناطق الساحلية.
المصدر:وكالة الأناضول