تتحدث مصادر موثوق بها في موسكو عن وجود تباين واضح بين حليفي الأمس روسيا وايران في النظر إلى أمور عديدة تتعلق بالملف السوري تحديدا، مثل توقيت وقف إطلاق النار الذي تعتبر طهران أنه جاء مبكرا، ومصير الرئيس بشار الأسد، وسحب القوة الجوية الروسية – او بعضها – في الوقت الذي لا تزال فيه مناطق متعددة تحت سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة وحلفائهما.
وقالت المصادر إن “روسيا ستسحب غالبية قوتها الجوية في مطار حميميم في الأيام المقبلة وستبقي فقط على السلاح المروحي وطائرات كافية لتأمين الغطاء اللازم لقاعدتها البحرية في طرطوس.
والموقف الروسي هو ردّ عملي على التزام واشنطن بوقف الحرب في سوريا وفرض شروط السلام على الجميع من دون استثناء ووقف إمداد السلاح بتوافق كل الأطراف الاقليمية التي تشترط ذهاب الأسد وإبعاده كبند أساسي لأي تسوية.
وايضا يأتي الانسحاب الروسي بعد ان اطمأن لتأكيد الدول العربية على استعدادها للقبول بأي شخص يختاره الأسد أو من معه من الحلفاء والمهم أن يغادر هو شخصيا موقعه لأنه لم يعد مجديا بقاؤه لا سيما وأنه متهم مثله مثل التنظيمات الإرهابية بالتسبب في قتل نحو 300 ألف سوري طيلة 5 سنوات من النزاع المدمر.
ويقول محللون إنه يظهر من خلال هذا المشهد أن الجميع قبلوا بشرط أن لا يخرج احدا من الخصوم داخليا مهزوما في العملية السياسية.
إلا ان ما يرضاه الكرملين لا ترضى به طهران، يضيف المحللون، لأنها دخلت إلى سوريا لتنتصر وحدها مقابل هزيمة الآخرين كلهم.
وبالنسبة لطهران يمثل الأسد “محور الممانعة” وسقوطه يعني اهتزاز او محاصرة هذا المحور، وأساسا حزب الله اللبناني.
وتقول مصادر مقربة من طهران وحلفائها الشيعة في المنطقة ان لا أحد سيحكم سوريا في المستقبل “يضمن مصلحة خط محور الممانعة في المستقبل إلا الشخص الذي خاض حربا من اجل خط وعقيدة (الأسد)، ولهذا فمن المستحيل التخلي عنه وعن جميع الذين وقفوا معنا، وإلا فما معنى سقوط الآلاف بين الذين ساعدوا الأسد، وعشرات الآلاف من السوريين الذين قاتلوا تحت لوائه؟”
وتغمز المصادر من هذا الكلام إلى أن أي حلّ يجمع عليه المجتمع الدولي اليوم وبقوة ويتجه لإقراره في سوريا هو “خيانة لدماء قتلى قوات الحرس الثوري وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية التي قاتلت للدفاع عن نظام بشار العلوي راسا وفي ظنها انها تحمي مشروعا طائفيا خالصا ضد مشروع طائفي مقابل يتربص به أيما تربص.
وتضيف الماصدر المقربة من ايران أن “روسيا لديها مصلحة بفك العقوبات عنها وحلّ مشاكلها مع الغرب الذي يبحث بتوزيع الحلوى للجميع”، بينما لا توجد في الحل السياسي في سوريا اية مصلحة لإيران.
وتضيف المصادر “بالنسبة لايران فهي لم توافق مع روسيا على توقيت وقف إطلاق النار، لان قواتها كانت تتقدم على محاور عدة. وسحْب القوة الجوية الروسية جاء في التوقيت غير المناسب أثناء مفاوضات جنيف، لأنه يؤثر على المفاوضات ويحتمل شتى التأويلات”.
وترتفع أصوات المنتقدين لروسيا في لإيران لتؤكد أن موسكو “لا تشعر بالحساسية الموجودة بين ايران وبعض بلدان الشرق الاوسط، وان هذا الأمر يمثل احد أبرز أسباب الصراع القائم والذي تطوّر الى صراع عسكري على ساحات مختلفة. والنقطة الاساسية الثانية هي ان ايران لا ترى بديلاً للأسد، وهو خط احمر بالنسبة لها، وان بشار اختار ان يبقى بعيدا عن اسرائيل، وهذا لبّ محور الممانعة بينما سيركب اي شخص آخر يأتي مكانه رحال التيار الذي يعبّد الطريق الى صلح مع اسرائيل”.
ويقول مراقبون إن قرار روسيا بسحب قواتها من سوريا يضع المقاتلين الشيعة في صف نظام الرئيس السوري، في ورطة حقيقية لا سيما وأن المليشيات الشيعية إضافة للجيش السوري قد تعرا لهزائم شنيعة قبل 6 اشهر مضت لو لا أن التدخل السوري أعاد للصراع بعض توازنه.
وتؤكد المصادر الشيعية ان ايران “سترسل المزيد من القوات الى سورية لملء الفراغ الروسي لانها لا تعتبر ان إزالة جبهة النصرة او الدولة الإسلامية ممكن من دون قوة ارضية تحاربهم وتأخذ الموقع من مجاهديهم”، مشيرة الى ان “المعركة البرية آتية لأن الطرفين – النصرة والدولة الإسلامية – لا علاقة لهما بأي تسوية سياسية في سوريا، وكلا الطرفين يطمح علنا بخلافة اسلامية”.
وترى طهران ان الاعلان عن نهاية الحرب في سوريا مبكر للغاية لان الدولة الإسلامية والنصرة خصمان عقائديان لن تتم ازاحتهما بهذه السهولة، لا في أروقة جنيف ولا على طاولة مفاوضات سرّية بين الولايات المتحدة وروسيا.
وبالنسبة للكثير من المراقبين فإن الموقف الإيراني يطرح الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة طهران على المغامرة في سوريا لا سيما وأن موقفها من الأزمة هناك وهو على هذا التصور، قد صار معزولا دوليا.
ويضيف المراقبون أن إيران تبدو بوضع إقليمي طارئ لا يتيح لها الكثير من الخيارات، وهي اليوم باتت مخيرة بين أن تنكفئ إلى حدودها وتتخذ قرارا شجاعا بالتخلي عن وهم الهلال الشيعي ـ وهذا في تقدير عتاة المشروع الصفوي هزيمة إقليمية نكراءـ، أو بين ان تعلن المواجهة ضد المجموعة الدولية قاطبة بدون الظهير الروسي ودون حقه في النقض داخل مجلس الأمن، لأن إصرار إيران على المضي قدما في دعم الاسد سيعرضها ـ داخل سوريا على الاقل ـ إلى قرارات عقابية صارمة.
ميدل ايست أونلاين