قرّرت فصائل عسكرية الاندماج في جسم عسكري واحد، سيضم إلى جانب جبهة فتح الشام، تنظيم أحرار الشام، وحركة نور الدين زنكي، وأجناد الشام، وجيش السنة، والحزب التركستاني، وفصائل صغيرة. في المقابل، شاع أن هناك مشروعاً لإدماج جيش الإسلام، وصقور الشام، ورايات الإسلام (داريا) وتجمع أهل الشام، وفيلق الشام، والجبهة الشامية، وجيش المجاهدين، تحت مسمى واحد هو “الجيش السوري الحر” الذي سيتبنى علم الثورة رايةً موحّدة له. ويقال أيضاً إن بعض أمراء “فتح الشام” هدّدوا من سيشكلون “الجيش السوري الحر” بالتعامل معهم، وفق ما أسموها “سياسة المتغلب” التي تعني إعلان الحرب، يريدون لنتائجه أن تتيح لهم الانفراد بالعمل العسكري في ما بقي من أرض سورية خارج قبضة الأسد والاحتلال الروسي/ الإيراني.
ثمّة تساؤلات متنوعة حول صحة اندماج “أحرار الشام” في تنظيمٍ واحد مع جبهة النصرة، بعد إسقاط حلب ودور جبهة النصرة فيه، وما كانت تنظيمات عديدة قد تعرّضت له من تدمير على يديها. ويزيد هذه التساؤلات شرعية ما يعيشه التنظيم القاعدي من خلافات، ويبديه قادة الأحرار من تجاهلٍ لقاعدة سياسيةٍ وعسكريةٍ صحيحةٍ هي أن تنظيماً في طور انقسام وتحولٍ، لا يجوز أن يقدم على الاندماج مع تنظيمٍ آخر، يمر بدوره في تحول وانقسام، قد يسوق فئات منه إلى مواقف داعشية، تقف وراء “سياسة المتغلب”، التي يمكن أن تزج الأحرار في حربٍ لا يريدها قطاع واسع فيهم ضد “الجيش السوري الحر”، بما يمكن أن يترتب على ذلك من انهيار عام للوضع الاندماجي والعسكري. فكأن الأحرار لم يتعلموا درس حلب، ولم يدركوا معنى الاقتتال الذي وقع فيها قبل “ملحمة حلب الكبرى” وخلالها، ولعب دوراً خطيراً في إسقاط المدينة، وسيسقط تجدّده ما بقي من مناطق خارج سيطرة النظام، والأحرار أنفسهم.
هذا الجانب من “اندماج” الجبهة والأحرار الذي يرجّح أن تسبقه وتليه صراعاتٌ داخليةٌ شديدة فيهما، يطرح السؤال التالي على الأحرار: إذا كان من المحال بنسبة مائة بالمائة إقامة نظام إسلامي من خلال القوة والتغلب، في سورية، وكان هناك قرار دولي جامع/ مانع بالتصدّي لهذا الاحتمال بالقوة، وكان من المستحيل أن يصمد أي تحالف أو اندماج مع “النصرة” في مواجهة العالم، ناهيك عن إحراز انتصار عليه، وكان لنا عبرة في تجربة حلب، وما تعرّضت له “النصرة” وحلفاؤها من هزيمةٍ ساحقةٍ أنزلت كارثةً حقيقية بشعب المدينة، ما الفائدة المرجوة من اندماجكم الموعود مع “النصرة” غير سحقكم معها، وإنزال كوارث مرعبة بالعدد الكبير جدا من السوريين، العائشين في مدينة إدلب وريفها؟ أليس من الأفضل والأجدى لكم ولسورية الاندماج في “الجيش السوري الحر” الذي تعلمون أنه سيحظى بدعمٍ حقيقي من الشعب الذي انفكّت قطاعاته الواسعة عن “النصرة” وعنكم بعد كارثة حلب، ويرفض ما تعتزمون القيام به، ويريد أن تكونوا في الاندماج الآخر الذي سيرفع علم الثورة، ويلتزم بحرية جميع السوريين ومساواتهم، ويرجح جدا أن يكون مقبولاً من العالم أيضاً، لاتفاق أهدافه مع ما تم إقراره في وثيقة جنيف وقرارات دولية عديدة، في حين سيوحد اندماجكم مع “النصرة” العالم ضد السوريين، بشراً وحقوقاً ودولةً ومجتمعا؟
في المقابل، لا يجوز أن يتجاهل شعبنا ما يُعد له من كوارث، باسم اندماجٍ لن يرى الخير على يديه، يستغل رغبته في توحيد القوى المقاتلة، كي يوحّد من لا يجوز توحيدهم، في حين يجب أن يحل النصرويون تنظيمهم، وينهوا وجوده في سورية، إن كانوا حريصين حقاً على حياة الشعب السوري ومصالحه. مثلما لا يجوز أن يتجاهله أيضا من عطلوا، قبل أسبوعين، ومن دون أي مبرّر، إصدار قرار عن “الائتلاف” يرفع غطاءه السياسي عن “النصرة”، على الرغم من موافقة شبه إجماعية من أعضاء هيئته العامة على هذا القرار.
ثمّة اندماجان مرتقبان، يهدّد أحدهما سورية، دولةً ومجتمعاً، بإجهازه المحتمل على تنظيماتٍ، أبرزها “أحرار الشام”. ومع أنني سأكون سعيداً جداً إذا ما اختفت جميع الفصائل، فإنني لا أعتقد أن اندماج بعضها مع “النصرة” سيفضي إلى إقامة كيانٍ مقاومٍ، ملتزم بثورة الحرية وقيمها، وأعتقد جازماً أنه محاولة مكشوفة للالتفاف على دور “النصرة” في كارثة حلب، وما ترتب عليها من رفض سوري لنهجها الذي يرفض اليوم أيضا الثورة، وما يحتّمه انتصارها من وحدةٍ وطنية.
هل من المعقول والمقبول أن يكون رد بعض الفصائل على كارثة حلب رفض تشكيل “جيش سوري حر”، والاندماج في “النصرة”؟
ميشيل كيلو_العربي الجديد