لم تتوانى حكومة النظام للحظة عن الشروع في إصدار العديد من القرارات والمراسيم التشريعية التعسفية التي تحرم السوريين من حقوقهم واستحقاقاتهم على الرغم مما عاشوه خلال مضي عقدٍ كاملٍ على الثورة.
حيث كانت تعمد في كل كبوةٍ لها إلى استحداث و تأليف قانون يزيد الطين بلةً في محاولة لسد حفرٍ جرّفتها حتى عانقت القاع، بيد ماارتكبه النظام من هدم وتدمير لمعظم مدن ومناطق السوريين التي واكبت أو عاشت حراك الثورة، ولعل الأمر لم ينقضِ بتخريب الممتلكات العامة والخاصة ليتبعها سلبٌ لحقوق الملكية العقارية أظهرت مضاعفات تلك القرارات الجائرة في حق السوريين عامة واللاجئين والنازحين وحتى المعارضين أو المعتقلين منهم على وجه الخصوص، ولعل أبرز ما صدر عنها بخصوص هذا الشأن، المرسوم التشريعي رقم /١٢/ لعام ٢٠١٦ (النسخة الرقمية للسجل العقاري).
نظام السجل العقاري
أحدث نظام السجل العقاري في سوريا للأموال غير المنقولة بموجب القرارين (188) و(189) لعام 1926، بهدف حماية الملكية العقارية عن طريق الإشهار العام والكامل لتحديد الملكية لعقار مبنىً أو قطعة أرض زراعية أو رعوية أو غيرها ومعرفة الحقوق المترتبة على هذا العقار.
السجل العقاري: هو مجموعة السجلات والوثائق التي تبيّن أوصاف كل عقارٍ وحالته الشرعية، والحقوق المترتبة له وعليه وجميع العاملات والتعديلات التي تطرأ عليه.
ويتألف السجل العقاري من مجموعةٍ من السجلات والوثائق التالية:
1- سجل الملكية: وتُسجَّل فيه الحقوق العينية الواردة على العقار أو له، وتدون هذه الحقوق والقيود في الصحيفة العقارية.
الصحيفة العقارية: وتتضمن رقم العقار، واسم المنطقة التي يقع فيها العقار، ومساحته ووصفه ونوعه الشرعي، واسم المالك أو المالكين (إذا كانت على الشيوع) وجميع الحقوق المترتبة له، أو عليه والمعاملات المتعلقة به التي توثق في سجل اليومية.
2- دفتر اليومية: وتُسجّل فيه جميع المعاملات التي تجري على العقار، مثل البيع ووضع إشارة رهن وإشارة دعوى وغيرها.
3- محاضر التحديد والتحرير وهي التي تصدر عن القاضي العقاري المؤقت عند افتتاح أعمال التحديد والتحرير.
4- خرائط المساحة: وهي صورة عن شكل العقار على الطبيعة.
والحقيقة أن السجل العقاري وبالرغم من كل الإهمال الذي عانى منه، إلا أنه حمى الملكية العقارية الفردية (المسجلة فيه) على مدى أكثر من تسعة عقودٍ.
المرسوم 12 لعام 2016 (النسخة الرقمية للسجل العقاري):
مضمون هذا المرسوم التشريعي:
إن السلطات المعنية سوف تقوم بإعداد نسخةٍ رقميةٍ بعد موافقة الوزير المختص لوقوعات الحقوق العينية عن طريق نقلها من الصحيفة العقارية الورقية في الجهة المنوط بها، مسك سجلات الملكية العقارية ثم يتم الإعلان عن قيام الجهة العامة المعنية بإنشاء نسخةٍ ورقيةٍ طبق الأصل عن النسخة الرقمية وتعلن هذه النسخة في:
آ-في صحيفة محلية وإحدى صحف العاصمة الأكثر انتشارا كما يجوز الإعلان إضافة لما تقدم في أي وسيلة إعلانية أخرى.
ب – تعلن في بهو الجهة العامة المعنية وبهو المحافظة والوحدة الإدارية المعنية أرقام العقارات ومناطقها العقارية وأسماء المالكين والحقوق العينية والإشارات المدونة في النسخة الرقمية.
ج – تحدد فترة الإعلان للفقرتين السابقتين بأربعة أشهر يتم خلالها قبول الاعتراضات.
حق الاعتراض وإقامة الدعوى:
-يحق لصاحب العلاقة أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة تقديم الاعتراض ضمن المهلة (أربعة أشهر) أمام محكمة البداية المدنية التي يتبع لها العقار مكانيا أو محاكم البداية المدنية التي يخصصها وزير العدل في محل العقار للنظر بالاعتراضات المقدمة. ويكون قرار محكمة البداية المدنية بقبول الاعتراض أو برفضه وهذا القرار قابلا للاستئناف أمام محكمة الاستئناف المدنية والقرار الصادر عنها مبرم
– يحق لكل من يدعي حقا ولم يقدم اعتراضا، اللجوء إلى القضاء المدني لإثبات ما يدعيه ويسقط هذا الحق بمرور خمس سنواتٍ على تاريخ انتهاء مهلة الاعتراضات، وهي أربعة أشهر.
النسخة الورقية الجديدة للسجل العقاري:
– تصدر الجهة العامة المعنية قرارا بإنشاء سجلٍ ورقيّ نقلا عن النسخة الرقمية خلال شهرين من انتهاء مهلة الاعتراض وهي أربعة أشهر.
وبشكل مختصر:
بموجب هذا المرسوم سيتم إحداث نسخةٍ رقميةٍ للسجل العقاري منقولة من السجلات العقارية الورقية الحالية، ثم يتم إحداث سجلٍ عقاريٍ ورقيٍ جديد بناءً على النسخة الرقمية.
مخاطر القانون
دراسة تحليلية لهذا المرسوم تبين مخاطره وآثاره على الملكية العقارية الفردية وعلى الحقوق المسجلة في السجل العقاري:
أولا- مخاطر تهدد السجل العقاري:
1- يشكل هذا المرسوم خطرا حقيقيا على أصحاب الحقوق العقارية في المناطق التي تعرضت فيها دوائر السجل العقاري للتدمير أو الحرق أو التلف خلال سنوات الحرب العشر ومثال على ذلك (السجل العقاري بمدينة حمص-الزبداني-داريا-درعا-دوما-منبج-الحولة-القصير-وغيرها)
فكيف سيتم إعداد نسخةٍ رقميةٍ، والصحائف السجلات العقارية الورقية قد حُرقت أو أُتلفت سيما وأنه لا توجد نسخةٌ احتياطيةٌ لتلك السجلات سواء كانت ورقية أم إلكترونية.
2- السجل العقاري في سوريا أُنشئ منذ عام 1926 فحسب تصريح مدير التشريع والتسجيل العقاري في مديرية المصالح العقارية “عصام قولي” لجريدة الوطن بتاريخ 24/1/2021 أن عدد الصحائف العقارية بسوريا بشكلٍ كاملٍ ستة ملايين صحيفة عقارية.
والسؤال هنا كم ستحتاج هذه العملية من موظفين لتنفيذ هذه النسخة الرقمية، ثم إعادة تدوينها في سجلاتٍ عقاريةٍ ورقيةٍ جديدةٍ؟! وماهي كفاءتهم للقيام بهذه العملية؟ وماهي معايير هذه العملية وآلية الرقابة عليها؟.
لا شك أن ظروف الحرب أرهقت المؤسسات العامة وموظفيها الأمر الذي بدوره سيؤدي إلى أخطاء وتدليس كبيرين يشكلان تهديدا حقيقيا لحقوق الملكية العقارية بأكملها. وأيضا سيؤدي إلى ضياع الحقوق المسجلة في صحائف تلك العقارات، ومنها مثلا إشارات دعوى تثبيت عقد البيع والرهن والحجز
3- صحائف السجل العقاري ليست عنوانا حقيقيا للملكية العقارية في سوريا وسبب ذلك أن هذه المؤسسة الهامة لم تعطِ الاهتمام اللازم من قبل الجهات المعنية برسم سياسات عامة تتمثل بإصدار القوانين والقرارات الفاعلة لتطويره لتجعل منه حقيقة سجلا عقاريا ضامنا لحقوق الملكية العقارية.
وأكبر مثال على ذلك وجود مشكلة السكن العشوائي في سوريا وأغلب المستندات في هذه الملكية هي وكالة كاتب عدل ثم حكم محكمة أو عقد بيع عادي. ووكالة الكاتب بالعدل لا تسجل في السجل العقاري وإنما تُوثّق لدى دائرة الكاتب بالعدل، وتبقى الملكية في السجل العقاري باسم المالك الأساسي وكذلك الأمر بالنسبة لعقد البيع العادي، لذلك فإن هذا المرسوم يشكل خطرا حقيقيا على الملكيات العقارية التي مستندها وكالة كاتب عدل أو عقد بيع عادي، حيث سيتم نقل اسم مالك العقار بالسجل العقاري (وهو المالك الأساسي) إلى النسخة الرقمية ثم إلى صحائف السجل العقاري الجديد، ولن يكون هناك اسم للمشتري بوكالة كاتب عدل أو عقد بيع عادي، والأخطر من ذلك اذا انتهت مدة الاعتراض وهي أربعة اشهر، وبعدها تنتهي مدة الخمس سنوات للمطالبة بالحق أمام القضاء المدني سوف يسقط الحق بالمطالبة نهائيا.
ثانياً_ مخاطر هذا المرسوم على النازحين واللاجئين والمعارضين والمعتقلين:
1- مدة الاعتراض على هذا المرسوم هي أربعة أشهر وهي مدة قصيرة ففي ظل غياب هؤلاء سواء أكانوا نازحين داخل القطر أم لاجئين خارجه أم معتقلين أو مغيبين قسريا، لذلك سيكون تقديم الاعتراض متعذرا عليهم.
2- مدة إقامة الدعوى المدنية أمام القضاء المدني محددةٌ وفق هذا المرسوم بخمس سنوات فقط وهي مدة سقوطٍ، بمعنى أنها إذا مضت المدة لن يستطيع صاحب الحق المطالبة بحقة، وهذا الموضوع متعلقٌ بحقوقٍ عينيةٍ عقاريةٍ غايةٍ بالأهمية ولم يراعِ القوة القاهرة، وهي ظرف الحرب التي أجبرتهم على النزوح واللجوء. لذلك فإن تحديد هذه المدة وجعلها مدة سقوطٍ للمطالبة بالحق أمرٌ خطيرٌ وسيؤدي إلى ضياع الكثير من الحقوق العقارية.
3- خلال سنوات الحرب انتشرت الفوضى والفساد في كافة دوائر ومؤسسات الدولة، ومنها وعلى وجه الخصوص دوائر الكاتب بالعدل ودوائر مكاتب تنظيم الوكالات لدى نقابات المحامين، فقد كشفت مصادر رسمية بأنه وخلال عام 2014 كان يتم تزوير /20/ وكالةٍ يوميا، وأيضا استمرت هذه الظاهرة في السنوات اللاحقة.
إن هذه الإحصائيات تعبر عن الحالات التي تم كشفها، ومما لا شك فيه أن الحالات التي لم يتم كشفها أكبر من ذلك بكثير.
وبالإضافة الى تزوير الوكالات انتشر تزوير عقود البيع العادية أيضا وتثبتها أمام المحاكم والحصول على قرار حكم مبرم والذي سيؤدي بالنتيجة إلى تثبيت العقد المزور ونقل الملكية لاسم المشتري المزور في السجل العقاري وبموجب هذا المرسوم سوف تتكرس ملكية العقارات لهؤلاء المزورين (سواء كان بموجب وكالة مزورة أو بتزوير عقد بيع عادي) وتثبيتها في النسخة الرقمية ومن ثم في النسخة الورقية الجديدة وبالتالي ضياع حقوق المالكين الحقيقيين لتلك العقارات.
4- مشكلة فقدان الوثائق والمستندات التي تؤيد حق الملكية لدى النازحين واللاجئين حيث اثبتت دراسة المجلس النرويجي للاجئين (الصفحة 15) أن نسبة 20% فقط من النازحين لديهم مستندات عقارية قانونية وأن نسبة 25% فُقدت أو تُلفت مستنداتهم والقسم الآخر تركها في منزله. وهذه المشكلة ستساهم في ضياع حقوقهم وذلك لأن الاعتراض أو إقامة الدعوى أمام القضاء المدني تتطلب إبراز الوثائق والمستندات القانونية التي تؤيد الحقوق المطالب بها، مما يؤدي إلى فقدانهم لملكياتهم العقارية من حيث النتيجة.
5- هناك ارتباط وثيق بين صحائف السجل العقاري وسجلات الأحوال المدنية (الولادة والوفاة والزواج والطلاق) ويتعذر على النازحين واللاجئين تسجيل واقعاتهم المدنية في سجلات الأحوال المدنية التي يسيطر عليها النظام، ونحن نتحدث عن فترةٍ زمنيةٍ طويلة قرابة العشرة أعوام، وبموجب هذا المرسوم سوف يؤدي إلى ضياع الحقوق العقارية للفئات الضعيفة والهشة بالمجتمع وخصوصا النساء والأطفال.
حفظ الملكية العقارية
وبهذا يجب على النازحين واللاجئين السوريين متابعة تطورات الأخبار العقارية ومستجداتها وملاحقة شؤون عقاراتهم الخاصة وفي حال تم تطبيق هذا المرسوم في السجلات العقارية التي يتبعون لها، عليهم تكليف أحد الأقرباء حتى الدرجة الرابعة أو توكيل محامٍ وتزويدهم بصورٍ ووثائق المستندات القانونية التي تدعم حقهم في تقديم الاعتراض ضمن الوقت المحدد. وإذا انتهت مدة الاعتراض عليهم بإقامة دعوى مدنية للمطالبة بالحق قبل انتهاء المدة المحددة.
وأيضاً بالنسبة للاجئين من المفيد تسجيل واقعاتهم المدنية لدى السفارات السورية في دول اللجوء.
ويجب متابعة الصحيفة العقارية للعقار وذلك من خلال استخراج بيان قيدٍ عقاريٍّ جديدٍ للعقار عن طريق أحد الأقرباء او محامٍ، لمعرفة المستجدات على الصحيفة العقارية للعقار وبالتالي تنفيذ ما يتوجب لحماية هذه الحقوق.
ولكن هل ستضمن تلك الإجراءات صون حقوق السوريين؟ أم أن للنظام رأياً آخر كما جرت العادة في إصداره لمراسيم على ورق ومخالفته لها واقعاً يحول دون التزامه بها.
محمد زيد _ Syria press_ أنباء سوريا
انتهاك الملكية العقارية الفردية وفق المرسوم التشريعي رقم /١٢/