دمشق: بدأ الناخبون السوريون الأحد التوجه إلى مراكز الاقتراع للتصويت في انتخابات تشريعية تجري بعد أربع سنوات تغيرت فيها المعادلات الميدانية على الأرض لصالح دمشق، فيما اشتدت العقوبات الاقتصادية عليها وتفاقمت أزمات المواطنين المعيشية.
وفتحت مراكز الاقتراع البالغ عددها أكثر من 7400 في مناطق سيطرة النظام، عند الساعة السابعة صباحا (04,00 ت غ). وخصصت مراكز اقتراع لنازحين من مناطق لا تزال خارج سيطرته.
ويخوض 1658 مرشحّاً سباق الوصول إلى البرلمان، في استحقاق يجري كل أربع سنوات، ودائماً ما يفوز حزب البعث الحاكم الذي يترأسه الرئيس بشار الأسد بغالبية المقاعد في غياب أي معارضة فعلية على الأرض. وقد تأسست تحالفات معارضة سياسية خارج البلاد بعد اندلاع النزاع في آذار/ مارس 2011.
وهذه ثالث انتخابات تُجرى بعد اندلاع النزاع. وتم تأجيل موعدها مرتين منذ نيسان/ أبريل على وقع تدابير التصدي لفيروس كورونا المستجد. وسجلت مناطق سيطرة الحكومة 496 إصابة فيما أصيب حتى الآن 23 شخصاً في مناطق خارج سيطرتها.
وفي أحد مراكز التصويت في شارع بغداد في دمشق، وضع جميع الموظفين كمامات صحية في إطار إجراءات التباعد الاجتماعي التي اتخذتها الجهات المنظمة للاقتراع للوقاية من فيروس كورونا المستجد. وتقدّم بعض الناخبين للإدلاء بأصواتهم متخذين إجراءات وقائية أيضاً.
ويبرز أي ناخب هويته الشخصية ليتم تسجيل بياناتها، ثم يضع ورقة الاقتراع التي حدد فيها اسم أو أسماء المرشحين الذي يودّ انتخابهم، داخل ظرف موقع ومختوم بختم رسمي، داخل صندوق بلاستيكي.
ولا يمكن للسوريين خارج البلاد، وبينهم ملايين اللاجئين، المشاركة في الاقتراع.
وتقدّم خالد الشالح (50 عاما) إلى غرفة الاقتراع السري حيث يكتب اسم المرشح على ورقة قبل أن يضعها في ظرف ويلقيها في الصندوق. وقال: “مطالبي من مجلس الشعب هي أن يدركوا القوانين التي يجب تبديلها وتطويرها من أجل مصلحة المواطن، والتعرّف على مطالب الناس الاقتصادية بغض النظر عن أي مطلب سياسي”.
وأضاف: “تغيرت ظروف البلد نحو الأسوأ مع تقدم سنوات الحرب، لكن مطالبنا قبل الحرب وخلالها وبعدها هي مطالب اقتصادية”.
ويضم مجلس الشعب 250 مقعداً، نصفهم مخصص للعمال والفلاحين، والنصف الآخر لباقي فئات الشعب.
وأفادت الرئاسة السورية أن الأسد وزوجته أسماء أدليا بصوتيهما في المركز الانتخابي بوزارة شؤون رئاسة الجمهورية.
وفي عام 2016، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية 57,56 في المئة من أصل 8,83 ملايين ناخب.
ومنذ انتخابات 2016، استعادت قوات النظام، بدعم من حليفيها روسيا وإيران، السيطرة على مناطق واسعة بينها معاقل مهمة للفصائل المعارضة، من الأحياء الشرقية لمدينة حلب (شمال) إلى الغوطة الشرقية قرب دمشق وشمال حمص وكامل محافظتي درعا والقنيطرة جنوباً. كما سيطرت على نحو نصف محافظة إدلب (شمال غرب) إثر هجمات متتالية.
وقالت عضو اللجنة القضائية العليا للانتخابات القاضية هبة فطوم: “هناك صناديق في الغوطة الشرقية وريف إدلب، ومناطق أخرى لم تكن فيها مراكز انتخابية في الدورة الماضية”.
وفي شوارع دمشق وريفها، انتشرت وفق صور لمرشحين كثر بينهم عن محافظتي الرقة (شمال) وإدلب بعدما أعلنت اللجنة القضائية فتح مراكز انتخابية لمواطني المحافظتين.
وفي محيط المراكز، تجمع مندوبو بعض المرشحين، يرتدون ملابس موحدة ويحملون أوراقاً كتب عليها البعض برامج انتخابية وصور مرشحيهم، وهم يدعون الناس والمارة للدخول والاقتراع لأحد المرشحين أو القوائم.
ويسيطر المقاتلون الأكراد على الجزء الأكبر من محافظة الرقة، فيما تسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل أخرى أقل نفوذاً على أكثر من نصف مساحة إدلب.
وعشية الانتخابات أدى انفجاران في دمشق إلى مقتل شخص وجرح آخر في دمشق، وفق ما نقلت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا).
“الهمّ الأول”
تصدرت الأوضاع المعيشية والخدمية والوعود بإيجاد حلول لارتفاع الأسعار البرامج الانتخابية.
وتقول أمية (31 عاماً)، موظفة في عيادة طبيب أسنان: “على أعضاء مجلس الشعب أن يقوموا بجهد استثنائي لتحسين الواقع الخدمي وليس مثل المجالس السابقة”، مشيرة إلى أن “تخفيض الأسعار وتأمين المستلزمات المعيشية هما الهم الأول للمواطن السوري اليوم”.
من جهتها، تؤكد حنان سكرية (29 عاما) وهي موظفة في وزارة المالية: “هذه هي المرة الأولى التي أنتخب فيها في حياتي”. وتضيف: “صوتي وحده لن يؤثر، لكن إذا اجتمعنا على اختيار مرشحين مفيدين، فسيكون هناك تأثير وتغيير”.
وهي ترى أنه “علينا الابتعاد عن الانتخاب العشوائي أو الاختيار المسبق بناء على قوائم معينة، يجب على الجميع أن يختار الآن لكي يحق له المحاسبة والاعتراض لاحقاً على أداء المرشحين الناجحين”.
وتشهد سوريا منذ نحو عشر سنوات أسوأ أزماتها الاقتصادية والمعيشية، تترافق مع انهيار قياسي في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائية للسوريين، الذين يعيش الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر.
وإن كانت القوات الحكومية استعادت أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد، فقد اشتدت على مر السنوات العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على النظام، وصولاً إلى قانون قيصر الأمريكي الذي دخل حيز التنفيذ الشهر الماضي، وتُعد إجراءاته الأكثر قسوة على سوريا.
ويتخوف محللون ومنظمات إنسانية ومسؤولون سوريون من أن تفاقم العقوبات الجديدة معاناة السوريين.
ووفق تقديرات برنامج الأغذية العالمي، يعاني حالياً نحو 9,3 ملايين سوري من انعدام الأمن الغذائي، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تفوق المئتين في المئة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية صيف 2021، في استحقاق تشهده البلاد كل سبع سنوات، تكثر التحليلات عما إذا كانت سوريا تتجه نحو تسوية سياسية، بعد سنوات لم تحقق فيها جولات تفاوض عدة قادتها الأمم المتحدة أي تقدّم.
وينتخب البرلمان المقبل في أول جلسة يعقدها رئيساً له، وتتحول الحكومة عندها إلى حكومة تسيير أعمال، إلى حين تعيين الأسد رئيساً جديداً للوزراء يكلف بتشكيل حكومة جديدة.
ويواكب البرلمان المنتخب الانتخابات الرئاسية. ولطالما كرّر مسؤولون سوريون آخرهم وزير الخارجية وليد المعلم الشهر الماضي أن الأسد سيبقى رئيساً “طالما الشعب السوري يريده أن يبقى”.
نقلا عن القدس العربي