أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى لانفصال جنوب اليمن عن شماله، ليل السبت الأحد ما سمّاه «الإدارة الذاتية» في الجنوب، وهي تسمية مخفّفة لإعلان الانفصال عن الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه هادي منصور، والمدعومة من المملكة العربية السعودية، ويعتبر هذا الإعلان حلقة جديدة من المسلسل التصعيدي الذي تديره الإمارات للسيطرة على أجزاء من اليمن، عبر مجموعة متنوعة من الميليشيات، يقف «الانتقالي» على رأسها، إضافة إلى إبقاء أوار الحرب الأهليّة والفوضى المسلّحة القائمة.
يقوم مخطط الإمارات على دفع الحكومة لمواجهة عدوّين في وقت واحد، الحوثيون الذين سيطروا في 21 أيلول/سبتمبر 2014 على العاصمة صنعاء، ثم فتحوا طريقا بحريا لاستيراد الدعم العسكري من إيران بالسيطرة على ميناء الحديدة في 14 تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، قبل أن يسيطروا على القصر الرئاسي مما دفع الرئيس منصور هادي للفرار إلى مدينة عدن الجنوبية ثم إلى الرياض مع تشكل تحالف عربي تقوده السعودية في آذار/مارس 2015 واجه، مع كتائب موالية للحكومة الشرعية، تقدم الحوثيين باتجاه عدن في الشهر التالي، وتمكن من استرداد المدينة وتعديل الموازين مع استعادة خمس محافظات والسيطرة على باب المندب.
اندفعت الأطراف «المتحالفة» مؤقتا بعد ذلك إلى تصفية «حلفائها»، ولإضعاف موقع الرياض، فقام الحوثيون بتصفية قوات ومؤيدي الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قتل لاحقا في كانون أول/ديسمبر 2017، بعد إعلان استعداده لـ»فتح صفحة جديدة» مع السعودية، فيما بدأت وكلاء الإمارات في اليمن طريقا متعرجا للتخلص من الحكومة الشرعية التي تعتبر أيضا حليفة السعودية، فيما وقفت الرياض موقف المتردّد في كيفية التعامل مع أبو ظبي وميليشياتها اليمنية، بل إنها سدّدت ضربة كبيرة للشرعية بجمعها، بشكل متساو، مع الميليشيات المدعومة إماراتيا، وإعلانها اتفاق مصالحة بين الطرفين في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
لا يشكل إعلان «الانتقالي» إنشاء «إدارة ذاتية» انقلابا على الاتفاق المذكور فحسب بل يجب احتسابه إعلانا أيضا عن الفشل الواضح لقرار السعودية بالتدخل في اليمن، ولازدراء أبو ظبي ووكلائها على الأرض لهذا التدخّل الذي اعتقد اليمنيون أنه قادر على تخليصهم من استبداد الحوثيين، وانتهى بأن يصبح السعوديون، والحكومة الشرعيّة نفسها، مجرد طرف ضعيف بين الأطراف الكثيرة التي يعج بها اليمن.
كان إعلان الإمارات خروج قوّاتها من اليمن في شباط/فبراير من هذا العام، ضربة على الرأس لحليفها السعودي المفترض، وتقرّبا غير مباشر من إيران، لأن القوات التي كان يفترض أن تحارب الحوثيين تركت الأرض مفتوحة لحلفائها في الجنوب للتربص بقوات الشرعيّة اليمنية، وبذلك زاد الضغط على الرياض من اتجاهين.
لا يفعل انقلاب الانفصاليين الأخير غير إظهار القيادة السعودية على مراكمة الفشل، وتعميق جراحها الخارجية والداخلية، والأسوأ من كل ذلك، أنها ليست في موقع يسمح لها بالرد عسكريا على خصومها في اليمن، ولا في فك تحالفها السياسي مع الإمارات، التي شجعتها على التدخّل في اليمن ثم تركتها تواجه عواقب كبيرة، وكل ما تستطيع فعله بعد أن فقدت هيبة «أبو الهول» أن تحافظ على صمته!
نقلا عن: القدس العربي