يتجدد الخلاف بين المتحاورين اليمنيين في الكويت، لكن الحرب تبدو في نهاياتها، إذ لم يبق أمام الحكومة والانقلابيين الحوثيين سوى التأكد من خريطة الشرعية التي ستحكم اليمن بقانون واحد في مناطقه كلها، خصوصاً في الشمال، حافظة للحوثيين وجودهم الاجتماعي الذي يعتبرونه مهدداً، ومنهية وجودهم السياسي الذي طالما هدّدت امتداداته اليمنيين الآخرين وألحقت بهم الأذى والدمار.
وفي صلب أي سلام يمني تصليب العلاقة مع الجارة الكبرى، المملكة العربية السعودية، ذلك حقيقة بقدر ما هو مصلحة يعترف بها اليمنيون جميعاً، ولا يقوى بعضهم على معارضتها علناً لئلا يخسر التفاف جماعته حوله.
هنا تذهب مع الريح شعارات الممانعة، وربما مخططاتها التي تريد استخدام اليمنيين خنجراً في ظهر السعودية، ولن تستطيع، لأن أهل اليمن أدرى بمصلحتهم، فلا تغيب عنهم الحكمة أثناء اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل وطنهم، خصوصاً أن الملايين يجوعون ولن تطعمهم معاندات علي عبدالله صالح وأمثاله، ولا تسليم الحوثيين من تبقى من يهود اليمن الى إسرائيل مقابل ثمن سياسي يبقى سرياً، ولا يؤثر في رفعهم الشعار المضجر «الموت لأميركا وإسرائيل».
ولأن حرب اليمن واضحة، فإن سلامها الآتي سيُبنى على الوضوح، استناداً إلى ما تفرضه الجغرافيا ويفرضه التاريخ في تلك المنطقة العربية الحساسة.
عكس ذلك يحدث في سورية، فعلى رغم أشهر قليلة من وضوح الربيع السوري وإرادة التغيير السلمي، فإن مسار الحرب التي دخلت سنتها الخامسة يبقى غامضاً، لا تستطيع إيضاحه تصريحات أهل النظام وتمنيات معارضين بعيدين من الأرض والشعب.
أزمة سورية خرجت من حدودها، كان يمكن حلها بعد سنة من الثورة، أي في 2012. بعد ذلك دخلت في تعقيدات ولادة نظام إقليمي جديد يتأسس في الصراع على سورية وما جاورها، ولن يشفع عهد الأسد الأب الحديدي في إخفاء صورة سورية المريضة التي سمّيت «القطر» لا «الوطن»، كناية عن أنها واحد من أقطار «الوطن العربي». كانت النخبة السورية الحاكمة، خصوصاً العسكرية، تهيئ وطنها لمصيره المعقّد حين ترفض اعتباره وطناً وتنشغل بالبعث المتعسكر وبتدخلاته العبثية في الجوار العربي (فرق قليل في مجاورة الحروف بين «البعث» و «العبث»). ولن يشفع عهد الأسد الابن في إنقاذ نظام الحزب المتعسكر بالاستناد إلى حليفه الإيراني والروسي، وقفزه فوق ملعب العروبة الافتراضي إلى قوى إقليمية وما فوق إقليمية. لقد فقد النظام شرعيته موضوعياً، وتفقد المعارضة بالتالي هويتها حين تناضل ضد نظام يشبه الميليشيا. الأزمة أكبر من الطرفين المحليين، بعدما أخليا عملياً معظم أرض سورية للروس والإيرانيين و «داعش» و «القاعدة».
نظام إقليمي جديد يولد بصعوبة على حطام سورية وبعض العراق وبعض تركيا. وسيطول الانتظار، لأن التحكُّم بالولادة لم يعد تقليدياً يقتصر على كبار الإقليم والعالم. نحن أمام ظاهرة جيوش غير تقليدية تنشأ على هامش الدول، بحيث يصعب التحكُّم فيها حتى من دول تعهّدت ولادة بعضها أو ساعدت في تمدده. جيوش متعددة الأحجام لكنها تلتقي في فضاء لا يعترف بالدولة الحديثة ولا يصغي لأوامر المجتمع الدولي أو نصائحه.
ويتكثف وجود هذه الجيوش غير التقليدية في المشرق العربي ويحضر في غير مكان شرق أوسطي. نذكر هنا، فضلاً عن «داعش» و «القاعدة»، «انصار الله» و «حزب الله» و «الحشد الشعبي» وحركة الشباب في الصومال و «بوكو حرام» في نيجيريا، أسماء ستليها أسماء تتسبب بفوضى في العالمين العربي والإسلامي وتقويض الدولة الحديثة وتهديد البشرية.
ستنتظر سورية طويلاً نظاماً إقليمياً يطوي ملف الجيوش غير التقليدية، أما اليمن فيمكنه الحصول على سلامه بوعي التاريخ والجغرافيا، ولن تستطيع «القاعدة» منعه ولا أوهام الحوثيين ومعهم سياسيون يرون أنفسهم في مرايا مكبرة ويعمون عن رؤية مأساة شعبهم.
الحياة