شهدت لغة الصراع السياسي بين الدول العديد من التغيّرات الجذرية في السنوات الأخيرة، فلم يُعد هنالك تهديد عسكري نووي أو كيميائي أو بري كما شاع في السابق، حيث انتهت صلاحية هذه التهديدات وعفا عليها الزمن، وظهرت العديد من التغيّرات التي برزت وبات يُعمل بها من قبل معظم الدول حول العالم.
وكان من أبرز هذه التغيّرات التي طفت على السطح كأحد أساليب التهديد الردعية المتبادلة بين الدول، استخدام المنظمات الإرهابية النشطة داخل دولة ما، من خلال دعمها ماديًا وتوفير المأوى لها إن احتاج الأمر، في سبيل تشكيل عنصر رادع لتلك الدولة.
ويرى الباحث السياسي “أفق أولوطاش” أن حزب العمال الكردستاني “بي كي كي” أحد التنظيمات الإرهابية التي يمكن إدراجها تحت أسلوب التهديد السياسي ضد تركيا، حيث يُستخدم من قبل روسيا وإيران على وجه الخصوص، لتشكيل كيان تهديدي لتركيا، يردعها عن القيام ببعض التحركات العسكرية والسياسية في المنطقة.
وأوضح أولوطاش، في مقاله بصحيفة أقشام “حزب العمال الكردستاني، بيدق بيد استراتيجيات الدول الأخرى”، أن حزب العمال الكردستاني لم ولن يكون في يوم من الأيام حزبًا سياسيًا عسكريًا مُدافعًا عن المواطنين الأكراد في تركيا، كما يحاول تسويغ نفسه، مبررًا ذلك بالانجرار الدائم والواضح للتنظيم نحو خطط الدول الأجنبية المعادية لمصالح تركيا ومصالح المواطنين الأكراد الذين كشفوا حزب العمال الكردستاني على حقيقته أكثر من مرة، كان أبرزها وقوفه إلى جانب النظام السوري في ثمانينات القرن الماضي، ووقوفه، في عصرنا الحالي، إلى جانب روسيا وإيران، وانجراره نحو خططهم المعادية لتركيا ومواطنيها على حساب أمن وسلام المواطن الكردي الذي يدعون زورًا الدفاع عن حقوقه.
وعلى هذا علق أيضًا الباحث السياسي “سلجوق أوزداغ”، مؤكدًا أن الكثير من الدول وحتى حزب العمال الكردستاني نفسه، ظنوا أن تركيا اتجهت نحو إحلال السلام بينها وبين حزب العمال الكردستاني، لحالة ضعف أصابتها، فاضطرتها إلى القبول بها، موضحًا أن من يظن ذلك خائب بلا منازع، إذ أن تركيا تمكنت من ردع بي كي كي وألقت القبض على زعيمه “عبد الله أوجلان”، في نيروبي، عام 1999 وهي تعاني من أحلك الأزمات الاقتصادية، فكيف اليوم وهي تعيش أزهى عصورها في التطور والتقدم؟
وتابع أوزداغ مبينًا أن حزب العمال الكردستاني بات على شفا حفرة الانهيار بلا رجعة في أواخر التسعينات، لولا إعادة النظام السوري واليونان وغيرها من الدول تأهيله ومده بالدعم المادي واللوجستي، وعقب استلام حكومة حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في عام 2002، استمرت تركيا في محاربة حزب العمال الكردستاني وضرب جميع بؤره، ولكن في بداية 2012، ارتأت الحكومة التركية أنه يمكن لها إنهاء النزاع مع حزب العمال الكردستاني، بواسطة عملية سلام داخلية شاملة، فتمت المشاورات بين الجهات المسؤولة، وتم التوصل إلى اتفاق لتوسيع حقبة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين الأكراد الذين حظوا بالكثير من الحقوق إبان حكم حزب العدالة والتنمية، وعلى الرغم من التزام الحكومة بكل نقطة من نقاط الاتفاق إلا أن حزب العمال الكردستاني، لم يحترم هذه النقاط، ونقض غزله متجهًا صوب تنفيذ المصالح الاستراتيجية لروسيا وإيران اللتين وعدتيه بدعمه بكافة حوائجه لتأسيس دولة الكردية في جنوب شرقي تركيا، على غرار تلك الدولة التي تسعى العديد من الأطراف تأسيسها في شمال سورية.
وأشار أوزداغ، من خلال مقاله في صحيفة وحدت “ظنوا أن عملية السلام نقطة ضعف لدى تركيا”، إلى أن عدم احترام حزب العمال الكردستاني للاتفاق مع الحكومة التركية، نابع من امتثاله لوظيفته الأساسية التي تتمحور حول تنفيذ خطط الغير، منوّهًا إلى أن الحكومة التركية ظنت أن حزب العمال الكردستاني سيبرح سلاحه، بعد تقديم الحقوق للمواطنين الأكراد، ولكن بدا واضحًا أن حزب العمال الكردستاني هدفه تأسيس دولة كردية انفصالية تخدم مصالح أعداء تركيا، وليس الدفاع عن المواطنين الأكراد كما يدعي!
جلال سلمي – ترك برس