كثُر الحديث عن الشباب السوريين ودورهم في القتال في الحروب الإقليمية كالحرب في ليبيا و الحرب في أذربيجان و يتساءل الكثير عن الوضع القانوني لهؤلاء المقاتلين.
مرّت الحروب على مدى العصور بأجيال كان جيلها الأول يقوم على السيف والرمح، ثم قام الجيل الثاني على السيف والرمح والبارود وقام الجيل الثالث على الصواريخ والمدرعات و الطائرات، ثم تطورت أساليبها وتقنياتها واستراتيجياتها ونحن اليوم نعيش نهاية الجيل الرابع وبداية الجيل الخامس منها.
إن حروب الجيل الرابع تعتمد بالأساس على خلق تناقضات ما بين الدولة والمجتمع، باستغلال كل الوسائل، لإحداث الخلل فى العلاقة بينهما.
أما حروب الجيل الخامس تعتمد فى استراتيجيتها على احتلال العقول لا الأرض، وبعد احتلال العقول سيتكفل المحتل بالباقي، فهو يستخدم العنف غير المسلح، مستغلًا جماعات عقائدية مسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة، والتنظيمات الصغيرة المدربة، من أجل صنع حروب داخلية، تتنوع ما بين اقتصادية وسياسية واجتماعية للدولة المستهدفة، وذلك لاستنزافها عن طريق مواجهتها لصراعات داخلية، بالتوازي مع مواجهة التهديدات الخارجية العنيفة، حيث يتم إسقاط الدولة من الداخل، وليس بقوات عسكرية، هذه الحروب الأقل تكلفة على الدول بشرياً ومادياً.
وعادة ما يتم التخطيط لهذه الحرب مسبقا، وتدريب العناصر الموكل إليها، فى أماكن خارج الدولة نفسها، وعادة ما يستغل في ذلك، المنظمات الأهلية تحت شعار مزيد من الديمقراطية للبلد، وهكذا تتم قيادة الجموع الحاشدة من أفراد الشعب لإسقاط النظام القائم دون استخدام القوة العسكرية هذه ببساطة.
و الشركات الأمنية الدولية ” المرخصة ” هي الإطار القانوني لتنفيذ هذه الحروب عبر عقود قانونية بينها وبين المتعاقدين والتي في ظاهرها عقود ” حراسة منشآت – حماية أفراد – تدريب – مهمات استخباراتية – استشارات أمنية …. الخ “، و في حقيقتها هي تجنيد مقاتلين وتكليفهما بالمهام الموكولة للشركة من قبل الدولة المتعاقدة معها.
ومن أبرز هذه الشركات ” بلاك وتر ” و ” داينكورب ” و ” Kbr (كيلوغ براون رووت)” الأمريكية و “جي فور إس (G4S ” و ” كونترول ريسك ” البريطانية , و ” فاغنر ” الروسية وشركة ” فالكون ” المصرية .
الوضع القانوني لهذه الشركات من وجهة نظر القانون الدولي :
1- أوجب القانون الدولي الإنساني على الدول التي تستقدم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، مسؤولية احترام القانون الدولي الإنساني وكفالة هذا الاحترام، وكذلك على الدول التي أنشأت تلك الشركات على أراضيها أو تعمل فيها، والضغط على الشركات باتجاه (حظر أنشطة معينة، كالاشتراك المباشر في العمليات العدائية ما لم تكن الشركة مدمجة في القوات المسلّحة، وفرض حصولها على ترخيص بممارسة نشاطها استناداً إلى الوفاء بمعايير منها تلبية شروط معينة، كتدريب الموظفين في مجال القانون الدولي الإنساني، والحصول على تصريح لكلّ عقد وفقاً لطبيعة الأنشطة المقترحة والوضع القائم في البلد الذي سوف تعمل فيه الشركة، مع تحديد عقوبات ضدّ من ينتهك هذه الشروط، أو ليس لديه تصريح.
2- الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989، تؤكد المسؤولية القانونية للمرتزقة في حالة اشتراكهم اشتراكا مباشرا في الأعمال العدائية، أو في عمل مدبر من أعمال العنف، ويعد هذا السلوك جريمة في حكم هذه الاتفاقية و من هذا المنطلق فإنه من المتصور أن موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عندما يشتركون أو يساهمون في الأعمال العدائية، أو في عمل من أعمال العنف، فإنهم معرضون لتحمل المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه الأفعال، حيث أخذت اتفاقيات جنيف لعام 1949 بمبدأ مسؤولية الفرد الجنائية عن الأفعال التي يعتبر إتيانها بمثابة مخالفات جسيمة وفقا لمفهوم تلك الاتفاقيات ومن ناحية أخرى، فإن المسؤولية الفردية هنا لا تقتصر فقط على موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الذين يتورطون في انتهاكات جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وإنما تمتد لتشمل أيضا الرئيس المباشر الذي يمارس سلطة وسيطرة فعلية على الشخص المتهم بارتكاب الفعل المخالف و عليه يمكن أن تتم محاكمة موظفي الشركات الأمنية الخاصة المتهمين بارتكاب جرائم أثناء النزاعات المسلحة، أمام محاكم جميع الدول وبالأخص الدولة التي وقعت فيها الجريمة، أو التي ينتمي إليها الضحية، أو التي ينتمي إليها المتهم، أو الدولة التي تحمل جنسيتها الشركة العسكرية والأمنية الخاصة.
النتيجة : لا يمكن ملاحقة أو منع تجنيد المتعاقدين مع هذه الشركات المخصة دولياً من الناحية القانونية إلا إذا أخلّت بشروط الترخيص أو انتهكت القانون الدولي وخاصة ما يتعلق باتفاقية حظر المرتزقة والتدخل المباشر في النزاعات المسلحة.
المحامي : عبد الناصر حوشان