المركز الصحفي السوري
بقلم: أسد عبد الكريم القصار
“الحرية .. الكرامة .. العدالة” ثلاث كلمات لطالما اقترنت في مخيلتنا بالدول الأوربية التي وصل فيها مستوى الرفاه الحقوقي والقانوني لتفعيل مواد في قانونها الجنائي تضمن حقوق الحيوانات والأشجار والأحجار .. لا لشيء إلا أن الحديث في ما يخص حقوق الإنسان أمر قد بات بديهيا ومحسوما منذ عقود أخص الحديث في مقالي هذا ألمانيا .. البلد الذي أعيش فيه .. والذي بات الحاضن الأكبر للشتات السوري في أوربا.
لم أكن أتمنى أن يأتي يوم تتشوه فيه تلك الصورة المشرقة التي احملها لهذا البلد .. منذ قدومي إلى هذه البلاد لم أشعر بالغربة إطلاقا كنت أعيش أياما رائعة في بلد لا يسعني بأن أصف مجتمعه ونظامه القانوني والحقوقي سوى بالصحي، إلى أن صدمتني مواقف جعلتني اشعر فجأة أني في الغربة، وأن التراب والهواء وورق والأشجار والجمادات حولي يصيحون حولي أنت غريب.
غفران سيدة سورية بصحبة بناتها الثلاث أكبرهن عمرها 15 عام تتعرض وإياهن للتحرش الجنسي المتكرر في مأوي للاجئين، تقدم شكوى للمسؤول، فلا يحرك ساكنا، يتحول التحرش إلى محاولة للاغتصاب ولا يحرك المسؤول ساكنا، تتصل بالشرطة، فيعاقبها المسؤول بنقلها إلى مخيم للاجئين في ملعب البلدة المخيم عبارة عن “هنجار” كبير مفتوح بلا غرف، تمتنع غفران عن الذهاب وتعترض لفظيا على إبقاء المدعي عليه دون أن يتعرض له احد، فتقوم الشرطة بضربها وضرب أولادها وسحلها وتكبيلها واجبراها على الركوب في سيارة الشرطة والذهاب إلى المخيم الجديد، تم تصوير الحادثة عبر كاميرا جوال عادية وتسرب المقطع على صفحات التواصل الاجتماعي.
يسلط الإعلام الألماني كاميراته حول القضية، فيمتنع عمدة مدينة فاربورغ عن الإدلاء بالتصريحات، وتصرح الإدارة العامة للشرطة في المدينة بأن إجراءً تأديبيا ما سيتخذ في حق أفراد الشرطة في وقت لاحق ولم يتم إصدار مذكرة في حق المدعى عليه لإثباته تكرر تناوله للمشروبات الكحولية التي تخرجه دوما عن وعيه وغفران وبناتها يقبعن اليوم في مخيم حقير بلا أي اعتذار أو تبرير أو تفسير لما حصل لهن .
محمد … أستاذ لغة عربية تمكن من جلب عائلته زوجته وأبنائه إلى ألمانيا بطريقة غير شرعية، لم تسعه الدنيا من الفرحة وبمجرد انتهاء إجراءات التسجيل في البلدية، في اليوم الثالث لوصول العائلة قامت الزوجة بالاتصال بالشرطة وطلب الطلاق من محمد، فقامت الشرطة بطرده من المنزل، تجرع الزوج المكلوم غدر زوجته في صمت ومضى بعد شهور حضر محمد واصطحب أبنائه في إحدى العطل الاسبوعية إلى سوق المدينة للتنزه فبادرت الزوجة إلى التقدم بشكوى اختطاف الأطفال من قبل والدهم لتصدر الشرطة في ما بعد أمراً بحق محمد بالابتعاد عن الأطفال حتى ينظر القضاء في وقائع الإشكال حول الأطفال .
الطفل الأكبر لمحمد في التاسعة من عمره يخضع الآن لعلاج نفسي مكثف نتيجة حرامنه من أبيه.
فاقد شاب عراقي في العقد الثالث من عمره قدم إلى ألمانيا منذ شهرين وتم فرزه إلى مأوى اللاجئين في بلدة دينزلينجن بجاور مدينة فرايبورغ وهي المدينة التي اقطن فيها، ذهبت أنا ومجموعة من الأصدقاء الألمان للترحيب به وباللاجئين الجدد القادمين إلى المدينة وعرض ما يمكننا تقديمه من مساعدة .
طلب مني فاقد أن اعرفه علي أسقف البلدة لأنه مسيحي، فقمت بذلك بعدها طلب مني مساعدته في مراجعة طبيب عظمية لإصابة قديمة في كوع يده فاصطحبته إلى المستشفى، بعد أسابيع يتضح لي بالصور والدلائل أن فاقد مقاتل وقناص عمليات في ميليشيا أبو الفضل العباس الشيعية، خاض عدة معارك في سوريا أصيب على إثرها في كوعه برصاصة، وتم علاجه بثلاث عمليات في إيران، إلا أن الحركة الغير طبيعية وعدم الراحة والإجهاد التي تسببت بها رحلة السفر إلى أوربا أدت إلى تفكك الأسياخ التي تمت زراعتها حول عظامه، وانه قام بإعلان تحوله من الإسلام إلى المسيحية عند قدومه إلى ألمانيا، وعند تقديمي بلاغ في الشرطة بحقه، مستندا بذلك الى صور له ممسكا بسلاحه ببزته العسكرية في حي السيدة زينب في دمشق .. بالإضافة إلى ترجمة لبوستات على حسابه الشخصي يفتخر فيها في بالقتال في سوريا، كان رد الشرطي هذه ليست أدلة كافية على إجرام المدعى عليه ومن حقه اللجوء والعيش في ألمانيا مثلك تماما منذ قليل.
كان فاقد يتناول النبيذ والشوكلاتة مع عائلة ألمانيّة عرفها بمناسبة عيد الفصح في ضجيج الحديث عن حقوق المرأة وحقوق الطفل ومكافحة الإرهاب والجريمة في ألمانيا وأوربا عموما اتضح لي أنه ضجيج له طحين في حالة واحدة، إذا كان يمس مواطنا ألمانيا أما نحن فلسنا إلا ضيوفا ثقيلي الدم قد ينتقد البعض مقالي ويصفه بالنكران والجحود .
إن امتناني لبلاد منحتني فرصة بأن أبدأ حياة جديدة لا يعني أن أسكت عن أخطاء جسيمة أشاهدها والمسها وتؤلمني للغاية، أخطاء تمنعني من اسمح لنفسي بأن أعيش بسعادة، أخطاء تجعلني أشعر أنني مهدد في أي لحظة، وأن حقوقي قابلة للانتهاك في أي لحظة، في بلد ينبغي أن يكون حصناً منيعاً لحقوق الإنسان، أي إنسان يعيش فوق أراضيه أخطاء تفرض عليّ أن اختار أن أعيش حياة ، “الحيط للحيط، وياربي الستر”، تلك الحياة التي رفضتها في ظل أعتى أنظمة الدنيا بطشاً وظلماً وديكتاتورية، فلماذا اقبلها ولم لا أتحدث عنها وارفضها بكل جوارحي .