يعرف البحر الأبيض المتوسط، في الفترة الأخيرة، حوادث غرق بالجملة في صفوف المهاجرين السريين القادمين من بلدان إفريقية، وكذا الشرق الأوسط. وقد شكلت مشاهد غرق قوارب تحمل مئات من المهاجرين من جنسياتٍ إفريقية مختلفة مأساة إنسانية بامتياز، غدا معها المتوسط مقبرة لمهاجرين عديدين.
تعود الهجرة السرية إلى أوروبا إلى خمسينيات القرن الماضي، حين كانت أوروبا في حاجة ماسة إلى العمالة الأجنبية، لإعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب العالمية الثانية، ولم يكن موضوع الهجرة يثير المخاوف والانزعاج في دول الاستقبال، لكن التدفق الهائل للمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء عبر بوابة البحر الأبيض المتوسط زاد حدّة في السنوات التي أعقبت موجة الربيع العربي في عدد من البلدان العربية لسنة 2011، وما تلا ذلك من انهيار لعدد من الأنظمة، ما أدى إلى انفلات الوضع الأمني من عقاله، وسيادة حالة من الفوضى وعدم القدرة على مراقبة الحدود، وبالتالي، إلى سهولة في اختراق الحدود والقدرة أكثر على الحركة من تجار تهريب البشر الراغبين في العبور إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
يمكن تلخيص الدوافع وراء الإقدام على الهجرة السرية في الهوة المتزايدة بين دول الشمال ودول الجنوب، وسوء توزيع الثروات الطبيعية وانخفاض مستوى العيش، إضافة إلى تفشي ظاهرة الفساد والافتقاد إلى الديموقراطية التي تكفل تكافؤ الفرص بين المواطنين، من دون أن ننسى الظروف الخاصة المحيطة بالمهاجرين القادمين من عمق القارة الإفريقية، هرباً من الحروب والصراعات الإثنية وتفشي المجاعات.
وإذ تعد الهجرة السرية إحدى إفرازات العولمة التي تحكم العالم في اقتصادياته وشؤونه الاجتماعية والثقافية، ما أدى إلى اتساع الفجوة الحضارية والتنموية بين الشمال الغني/ المتقدم، والجنوب الفقير/ المتخلف، فإن وتيرتها المتزايدة باتت تثير قلق الدول المستوردة للمهاجرين السريين، والدول المصدّرة لهم، وما يرتبط بها من ظواهر سلبية تهدد أمن الدولة المستقبلة واستقرارها، مثل تهريب البشر والتجارة في الأعضاء البشرية والدعارة والاستغلال الجنسي للنساء والأطفال، ناهيك عن ارتباطها بتجارة المخدرات التي يتم تهريبها من بعض الدول في شمال إفريقيا أو أميركا اللاتينية، في اتجاه الدول الأوروبية، عبر جنوب البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي، تزداد مشكلة الهجرة السرية حدة/ تعقيداً نتيجة للمشكلات الأمنية التي تخلفها.
العربي الجديد – عائشة منافح