تركيا لن تسمح بالسيطرة على مدينة أعزاز لأنها باتت الفرصة الأخيرة لها كي تطبق قرارها بإقامة منطقة آمنة .
يتم الترويج على مستوى الإعلام التركي مؤخرا، إلى أن الوقت قد حان للتدخل العسكري في سوريا، بل وتم تسريب بعض المعلومات تتحدث عن خطط عسكرية جاهزة، وأن هناك تدارسا للموضوع على مستوى أمني رفيع. وتأتي هذه الدعاية في ظل ما حققته القوات الكردية من تقدم في عدد من المناطق الحدودية مع تركيا. لكن هذه الخطابات تراجعت بالتزامن مع الدخول في تطبيق الهدنة التي تم التوصل إليها بعد اتفاق أميركي-روسي. ورغم أهمية هذا القرار بالنسبة للسوريين وللمنظمات الإنسانية التي ستجد فرصة للوصول إلى الكثير من المدنيين السوريين الذين تأذوا بفعل الحرب الدائرة في أكثر من جهة، إلا أنه قد يبدد حلم تركيا في المنطقة الآمنة على الحدود السورية.
أنقرة – فيما قرر مجلس الأمن الدولي بالإجماع الموافقة على هدنة “وقف العمليات العدائية” في سوريا، كانت تركيا قبل ساعات قد قالت على لسان الناطق باسم الرئاسة إنها لعبت دورا بارزا في إنجاح هذا الاتفاق، في تصريح يتنافى مع سلوك أنقرة الذي يظهر عليه الحذر الشديد إزاء قرب الوحدات الكردية من شن هجوم على مدينة أعزاز وممرها الحدودي اللذين لا يشملها الاتفاق الدولي، وهذا ما عبر عنه المسؤولون الأتراك بالتأكيد على أن بلادهم “ستطبق قواعد الاشتباك، طالما كان هناك خطر على أمنها القومي، أيا كان مصدره تنظيم داعش أو حزب الاتحاد الديمقراطي”.
وكان مسؤول تركي قد أعلن، الخميس، أن بلاده لم تقصف مواقع المقاتلين الأكراد السوريين منذ بدء تطبيق وقف إطلاق النار في سوريا في 27 فبراير الماضي. وقال “لم نستهدف مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي منذ بدء تطبيق وقف إطلاق النار”.
طموح المنطقة الآمنة
ومن المحتمل أن تقوم الوحدات الكردية بالاستمرار في معاركها الهادفة للسيطرة على مدينة أعزاز ومعبرها الحدودي، لا سيما وأن اتفاق وقف الأعمال القتالية لا يشمل مناطق ريف حلب الشمالي المعزولة، إضافة لاعتبار الوحدات أن الفصائل المنتشرة في هذه المناطق تتبع لجبهة النصرة المصنفة على قوائم الإرهاب.
بيد أن تركيا، غالبا، لن تسمح بالسيطرة على مدينة أعزاز لأنها باتت الفرصة الأخيرة لها كي تطبق قرارها بإقامة منطقة آمنة، والتي تهدف أصلاً إلى منع أكراد الإدارة الذاتية من تشكيل حزام متصل على حدودها، ويُدلل على سلوك أنقرة في هذا الشأن قيامها بإدخال أكثر من 2500 مقاتل من المعارضة المسلحة التي تنال دعما واسعا منها عبر أراضيها إلى مدينة أعزاز، قادمين من معبر إدلب.
وكانت وحدات حماية الشعب الكردية قد شنت هجمات على بعض مناطق المعارضة في مدينة حلب منذ ثلاثة أيام من أجل السيطرة على طريق الكاستيلو في مدينة حلب، كما اندلعت معارك بين الطرفين على جبهة حي الشيخ مقصود، ومنطقة السكن الشبابي في حي الأشرفية المطلة على طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد الذي يصل مدينة حلب بريفيها الشمالي والغربي.
وما زالت تركيا تأمل بأن تقيم منطقة آمنة تمتد من مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي وتصل إلى أعزاز في الشمال، وحاولت توظيف أزمة اللاجئين الفارين من القصف الروسي، لكن دون أن تلقى أي استجابة، فهي تحتاج لإقناع واشنطن بضرورة هذه المنطقة، ولديها مبررات قانونية يمكن أن تخبئ وراءها هدفها من منع الوحدات الكردية وصل مناطقها في الشرق بالغرب، إذ أن قرار مجلس الأمن رقم 2254 يدعو بشكل خاص إلى المساعدة الإنسانية داخل سوريا، وبالتالي يمكن الضغط لإقامة المنطقة ضمن ذرائع حماية المدنيين ووقف تدفق اللاجئين السوريين المزعزع للاستقرار إلى أراضيها وأوروبا.
ووفقا لاعتبار عضو المكتب السياسي لحركة نور الدين الزنكي المعارضة بسام حجي مصطفى، فإن واشنطن لن تلبي أيّ مطالب تركية إزاء إقامة منطقة آمنة أو عازلة شمال سوريا، ويرجع ذلك إلى التفاهمات القائمة بين الإدارة الأميركية والروسية اللتين تدعمان بقوة وحدات الحماية الكردية، ولذا قال خلال اتصال أجرته معه “العرب” إن “الأمر بات بالنسبة لأنقرة تخييرا لواشنطن في علاقتها بينها وبين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي رديف حزب العمال الكردستاني”. ويرى أن السياسة الروسية خلال فترة وقف إطلاق النار الجزئي ستوظف الوحدات الكردية أكثر لصالح الاقتراب من المناطق التي تعتبرها تركيا محظورة، وبالتالي ستكون الأخيرة أمام مواقف حرجة لا سيما إن لم تستجب الأطراف الدولية في الحد من ذلك، ولم يستبعد حجي مصطفى حصول نوع من التدخل التركي.
القرار الأميركي
بينما أوجدت واشنطن نوعا من التوازن مع روسيا بعد توقيع اتفاقية وقف الأعمال العدائية، وهي بحسب الناطق باسم اللقاء الوطني الديمقراطي المعارض “ميداس آزيزي” تجميد مبدئي لأي عملية عسكرية في مناطق شمال حلب المعزولة، مضيفا في حديثه مع “العرب” أن تجميد تحرك وحدات حماية الشعب الكردية قد يندرج ضمن الحسابات الإقليمية لدى واشنطن وأيضا موسكو، وبكل الأحوال النتيجة واحدة، فقضية التجميد هذه تعني وضع حائط أمام جميع ذرائع تركيا في إقامة منطقة آمنة، كونها أصلا تحد من تقدم الوحدات.
وفي هذا الشأن يعتقد حجي مصطفى أن حلف الناتو يحاول الابتعاد عن التورط في الصراع عسكريا بسوريا، بسبب التدخل الروسي والحسابات المعقدة، ولذا لن تنجح أنقرة رغم المبررات القانونية في استدراج الناتو لدائرة الدفاع عن حقوق أمنها القومي الذي تخترقه روسيا بدعم واسع لوحدات حماية الشعب الكردية.
في المدى المنظور، فإن الحديث عن منطقة آمنة شمال سوريا مرتبط بقرار أميركي؛ وفقا لرؤية عضو مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية يوسف فخر الدين، إذ أن الإدارة الأميركية أعلنت مرارا أنه ليس هناك بوادر للتدخل البري في سوريا، وما حديثها مؤخرا عن خطة (ب) إلا نوع من الضغط على روسيا لإلزامها السير في ما تريده. واتفاقية الهدنة، وإقرار المقترح الأميركي بخصوصها في مجلس الأمن، يعني أن روسيا وإيران تسيران ضمن ما تريده الولايات المتحدة، وأنهما تحاولان زيادة مكاسبهما ضمنه.
العربعبدالوهاب عاصي