بعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف من بدء الثورة السورية، وفشل المعارضة السياسية بإصدار جوازات سفر للسوريين، معترف بها دولياً، لجأ السكان للهجرة خارج سوريا؛هرباً من آلة القتل التي تحصد أرواحهم يومياً من قبل النظام، وبطرق غير شرعية ظهر دور المهربين ( تجّار البشر كما يسميهم البعض ) باستغلال حاجتهم، وابتزازهم بمبالغ باهظة؛ لتهريبهم خارج الحدود إلى تركيا.
يسلك النازحون طرقاً وعرة في الجبال والوديان، للوصول إلى الطرف الآخر من الحدود، حاملين معهم أمتعتهم و أطفالهم، تاركين خلفهم وطناً يدمر وفي بعض الأحيان تسمع أصوات القصف بالبراميل المتفجرة للحدود.
رحلة ما قبل الوصول للشريط الحدودي :
بعد الوصول لقرية خربة الجوز, عند أحد منازل المهربين، ترى ما يقارب عشر عائلات بأمتعتهم، تتجمع ولا يتم التحرك باتجاه الحدود حتى يكتمل النصاب حسب قول المهربين الذين يجمعوا من كل شخص مبلغ ما يقارب ال15000 ل.س، بعدها يأتي أمراً بالتحرك والسير مشياً على الأقدام بطرق خاصة في الغابة كانت تستعمل سابقاً لتهريب الأبقار وعلب السجائر، وكل مئة متر يتم التوقف عن المشي ليأخذوا قسطاً من الراحة مراعاة للعائلات التي تحمل أمتعة أو لديها أطفال، بعدها يكملوا المسير بتوجيهاتٍ من المهربين والذين يكونوا عادة أربعة يرأسهم الأكثر خبرة، كل منهم لديه مهامه بالاستطلاع والتنسيق مع المهرب التركي في الطرف المقابل.
كثيراً ما تكون الرحلة محفوفة بالمخاطر؛ نتيجة استهداف الجيش التركي لأي تحرك يُشتبه به بعد التشديد وإغلاق الحدود الغير شرعية منذ عامِ تقريباً، فتتعدد المحاولات لإيجاد ثغرة مخفية على الشريط الحدودي وفي غفلة من أعين عناصر الجيش التركي، لكن أغلبها مصيرها الفشل .
محمد الجسري أحد النازحين مع عائلته تحدث قائلاً : “كنت موجوداً داخل مدينة جسر الشغور، التي تسيطر عليها قوات النظام، وبسبب التضييق الأمني والمسائلات اليومية، قررت الخروج للريف المحرر لأصدم بالواقع المعيشي المزري، ولاسيما القصف بكافة أشكاله، فنصحني أحد أقاربي بالسفر إلى تركيا للعمل هناك، لتأمين لقمة العيش لأولادي، ولكني أرى طريقي صعباً من بدايته قبل أن أعبر الحدود أصلا”.
عبور الشريط الحدودي وتكشف الوعود الكاذبة :
بعد محاولات من عبور الشريط، وغفلة من أعين الجيش التركي ( الجندرما )، ونجاح إحداها, تبدأ مرحلة جديدة من المعاناة .وهي الوعود الكاذبة, والاتفاق الذي أبرمه النازح مع المهرب يذهب بمهم الريح، ويضرب به عرض الحائط، كانت أولى الوعود ع حد قوله ( من السيارة للسيارة) -أي من السيارة التي تنزل النازح بالقرب من خربة الجوز إلى السيارة بالجانب الآخر من الحدود بتركيا – بعدها الوعد الثاني بأن يمشوا بعد عبور الشريط الحدودي لمدة خمس دقائق وهذا ليس بالاتفاق مسبقاً؛ ولكن ولد بعد المشي لحوالي ساعة تقريباً .
يستلم المهرب التركي الدفعة من النازحين، و يقدر عددهم بالثلاثين بعد كشف الطريق، ويسيروا أيضاً بطرق صعبة لا تختلف عن سابقاتها.
منى ياسين امرأة بالعقد الرابع من العمر نازحة من دمشق إلى إدلب ولديها طفل رضيع على صدرها وثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين أربع و عشر سنوات، وتحمل بعض من أمتعتها تحدثت وهي تبكي بين الحين والآخر قائلةً: “نزحت من حي القابون بدمشق إلى أقارب زوجي بريف إدلب، ولكن سوء الوضع المعيشي، وخوفي على أطفالي من الموت الذي يطال الكبير والصغير، قررت النزوح إلى تركيا، وأنا الآن على الحدود شبه مشردة، وعلى وشك الهلاك من التعب و كثرة المشي، و طفلي الرضيع الذي لا يتحمل حر الصيف أراه يلهث وكأنه يلتقط أنفاسه الأخيرة، وهؤلاء المهربين يكذبون علينا بكل خطوة، وهمهم الوحيد المال” .
لعلٍّ حب المال، أعمى عيون مصطفى المهرب السوري بالكذب على أبناء بلده، واستغل حاجتهم بالعبور لتركيا بعد إغلاق أغلب المنافذ, وتشجيعهم لعبور الحدود بالوعود البراقة، وإقناعهم بأن العملية لا تستغرق إلا ربع ساعة، في حين استغرقت أكثر من خمس ساعات مشياً بين الغابات والوديان حتى الوصول للسيارة التركية.
لكن مصطفى برر هذا التصرف قائلاً: الجيش التركي ( الجندرما ) أصبح يعد الكمائن لمنع دخول النازحين، لهذا اضطررنا لتغير بعض الطرق التي كنا نسلكها قديماَ؛ حيث كانت أقصر وأسهل، ومن الجانب التركي منعت أي سيارة مدنية بالاقتراب من الحدود تحت طائلة الحجز، وفي حال شرحنا الوضع للنازحين لن يقبل أحد بالذهاب معنا، وسينقطع مصدر رزقنا، وبهذه الطريقة استطعنا تامين عبور حوالي 150 عائلة الأسبوع الماضي.
خربة الجوز قرية تقع على الحدود السورية التركية بريف جسر الشغور الشمالي كانت أول ممر لجوء إلى تركيا يسلكه النازحون من مدينة جسر الشغور بعد سماع قدوم قوات النظام السوري لاحتلال مدينتهم في الشهر السادس من عام 2011 م ومنذ شهرين تم افتتاح معبر فيها لدخول العائلات عبر الهوية التركية لكنه لم يفي بالغرض بسبب السماح لمن يحمل البطاقة التي تمنحها الحكومة التركية للاجئين المقيمين على أراضيها ومغلق في معظم الأحيان.
والسؤال هنا هل سيبقى هؤلاء يستغلون حاجة الهاربين من الموت أم سيغير القائمون على المعبر الجديد سياستهم بالسماح لمن لا يملك مثل تلك الهوية؟
المصدر: اتحاد الديمقراطيين السوريين/ هاشم العبدالله