قد يعتقد بعض الاقتصاديين المتفائلين أو المقتنعين بنظرية المؤامرة أن انفراجة قريبة ستعود بالعالم بعد شهرين أو ثلاثة لسابق عهده أي ما قبل تفشي فيروس كورونا وانتكاسة الأسواق العالمية، وسيكون ذلك بعد تحقيق الأطراف الكبرى التي تقف وراء ذلك الأهداف الوظيفية لها. لكن دعونا بدايةً نستعرض قبل البحث في وجهات النظر ودقتها السيناريوهات الأكثر ترجيحاً والتي تحيط بأسواق المال والأسهم ومستقبل النفط على المدى الزمني القريب والمتوسط إلى البعيد.
على الرّغم من حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نيته بحث أسعار النفط مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلّا أن ذلك لم ينعكس إيجاباً على سعر السوق الفعلي ولو أنه عزز بعض التفاؤل لدى المتداولين في ميدان النفط. تضرّر الولايات المتحدة من حرب الأسعار الحالية وصل اليوم حداً بات فيه أكبر من استراتيجية سياسية للإيقاع ببعض أعداء واشنطن ممن ترتبط اقتصاداتهم بالنفط كإيران وغيرها، والشاهد هنا التصريحات المتتالية للرئيس ترامب بشأن الوساطة بين موسكو والرياض من جهة ومن جهة أخرى تهديد السيناتور الجمهوري دان سوليفان بإعداد مشروع قانون لسحب القوات الأمريكية من المملكة ما لم تقم بدور بناء في سوق النفط.
على صعيد النفط: فلا شكّ أن السوق النفطي سيواجه خلال الأسابيع القادمة مرحلة عصيبة تُرجّح الهبوط المستمرّ ولو شهد صعوداً خجولاً يولد تلقائياً لمدّة محدودة نتيجة إجراءات حكومية لضخّ السيولة ودعم الأسواق |
استمرار الهبوط
برميل برنت انخفض عقب تصريحات ترامب بنسبة 1.45 دولار بما يوازي 5.5 بالمئة إلى 24.90 دولار يوم الأربعاء بحلول الساعة الثامنة بتوقيت جرينتش، ليفسّر ذلك تنامي المخاوف من زيادة المعروض بعد تقرير أظهر زيادة كبيرة في المخزونات الأمريكية واتساع الشقاق داخل أوبك. كما انخفضت الأسعار إلى 21.65 دولار يوم الاثنين الماضي، وهو أدنى مستوى منذ 2002، ليفقد خام القياس العالمي 66 بالمئة من قيمته في الأشهر الثلاثة الأولى من 2020، متكبداً أكبر خسارة فصلية على الإطلاق.
وخلال الربع الأول من العام الحالي لم تكن حرب أسعار النفط بين الرياض وموسكو وحدها الضاغط على مؤشر السوق العالمي، حيث دُعّم انفصال أبوك وحلفائها المستقلين بجائحة كوفيد تسعة عشر العالمية مما مهّد الطريق أمام هبوط حاد بدأ في 9 مارس/آذار مع افتتاح الأسواق لَحقت بركبه مؤشرات أسواق الخليج وأسهم أمريكية إضافة للكبرى الأسهم الأوروبية، أدى ذلك حينها أيضاً لهبوط في قيمة الريال السعودي والروبل الروسي.
الذبذبة الحالية المسيطرة على أسعار النفط انعكست بدورها على بورصات الخليج العربي لاعتماد دولها على النفط كمصدر أوّل في دعم مشاريعها الداخلية وخططها المستقبلية، حيث نزل مؤشر أسهم دبي الرئيسي على إثر ذلك 2.9 بالمئة، متأثرا بتراجع خمسة بالمئة لسهم بنك دبي الإسلامي وهبوط 4.6 بالمئة في سهم بنك الإمارات دبي الوطني. مؤشر البورصة السعودية خالف جيرانه صاعداً بنسبة 1 بالمئة بقيادة صعود 1.5 بالمئة لسهم عملاق النفط أرامكو السعودية وقفزة 4.7 بالمئة لسهم بنك الرياض ويعود ذلك لموافقة حكومة المملكة في اجتماع افتراضي على إدراج أصول حكومية من المقرر خصخصتها بالبورصة بعد طرح عام أولي.
على صعيد النفط: فلا شكّ أن السوق النفطي سيواجه خلال الأسابيع القادمة مرحلة عصيبة تُرجّح الهبوط المستمرّ ولو شهد صعوداً خجولاً يولد تلقائياً لمدّة محدودة نتيجة إجراءات حكومية لضخّ السيولة ودعم الأسواق. والهبوط المرجّح أعلاه يرجع بدوره لتفاقم أعداد ضحايا فيروس كورونا ومصابيه وما يرافقه من توقف واسع في حركة التجارة العالمية وتباطؤ النمو وتوقف عجلة العمل داخل الدول وفيما بينها، يضاف إلى ذلك كلّه انعدام بصيص الأمل حتى الآن في التوصل إلى اتفاق بين السعودية وروسيا على المدى القريب في وقف النزيف الحاصل داخل السوق النفطي، مع تقييد كوفيد تسعة عشر لأي مباحثات مباشرة قد تحدث فرقاً على المدى القريب.
وول ستريت: على الرغم من سعي الإدارة الأمريكية وحزمة إجراءتٍ بقيمة 2 تريليون دولار وُقّعت على عجل بإنقاذ الإقتصاد الأمريكي من أزمة إقتصادية منتظرة، بيد أن المؤشر الصاعد لأعداد المصابين بالفيروس وتسجيل الولايات المتحدة أعلى نسبة إصابات حول العالم، يزيد على ذلك إعلان ولاية أوهايو منطقة منكوبة، وحديثٌ عن إعلان مدينة نيويورك منطقة كوارث مما يستدعي استمرار الإغلاق ومخاطر من إغلاق أكبر في ولايات أخرى على المدى القريب والمتوسط، ما يشكّل ضغطاً على مؤشرات السوق الأمريكي.
السوق الأوروبي: لا يُعدّ مستقبل السوق الأوروبي أفضل حالاً من نظيره في الولايات المتحدة، هو الآخر يتّجه نحو نكسة حادّة نظراً لما شهده خلال الأسابيع الماضية من تفشي وباء كورونا والجمود الحاصل داخل عجلة الاقتصاد إضافة لانسحاب المملكة المتحدة من الإتحاد مع التطرق إلى تباطؤ في النمو شهده الاتحاد الأوروبي خلال العامين الماضيين وأزمات اقتصادية سابقة ضربت كلّاً من إسبانيا وإيطاليا. وقد تفسّر التتبعات أعلاه تراجع المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 2.4 بالمئة يوم الأربعاء بحلول الساعة السابعة بتوقيت جرينتش، بعد أن اختتم الثلاثاء أسوأ أداء فصلي في 18 عاما.
يتحدث الكاتب بالشأن اللإقتصادي مات إيغان عن خطرٍ محدق يهدد سوق النفط برمته وقد أصبح قريباً بالفعل في ظلّ التطورات المستجدة حول العالم من جمود إجتماعي واقتصادي وتخمة العرض التي فرضتها حرب الأسعار السعودية الروسية مع هبوط حادٍّ في الطلب. يقول إيغان إن العالم سيفقد قريباً مساحة تخزين النفط وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الأسعار لما دون الصفر، وربما بالغ إيغان في إستعراض الخطر بتوقع دنو الأسعار إلى السالب، لكنه في الوقت عينه طرح خطراً حقيقياً حول تعبئة المخازن الأوروبية والأمريكية للنفط الخام بأسعاره الحالية، وتجدر الإشارة هنا إلى عملية التخزين هنا لم تعد مؤقتة، حيث أن التعافي العالمي من فيروس كورونا ليس مطروحاً في الوقت الحالي وهي مرحلة غير واضحة في المستقبل القريب بالأساس، يرافق ذلك رفضُ أي طرفٍ من الأطراف المصدرة للنفط حول العالم المباشرة بإيقاف الإنتاج على الرغم من التخمة في العرض وحتى في المخزون، وخير دليل على ذلك ما تشير إليه صادرات النفط السعودية من أن المملكة بالفعل زادت إنتاجها من النفط ليصل إلى 12.3 مليون برميل يومياً خلال الشهر المقبل.
ختاماً؛ إن على مجموعة أوبك وحلفائها إعادة النظر في حرب تكسير العظام التي بدأها الطرفان السعودي والروسي حيث أن الخطر هذه المرّة لم يعد مرتبطاً بقرارٍ سياسي تخرج به غرف صناعة القرار بقدر ما هو مرتبطٌ بحركة الاقتصاد العالمي والتي دخلت مرحلة الموت السريري ولن تتعافى منه على الأقل في المستقبل الأشهر المقبلة.
الجزيرة – أحمد علوش