بات موضوع الهدنة ووقف إطلاق النار في سوريا لغزاً يحيّر السوريين في كل مكان, فنهر الدماء الجاري في سورية وخصوصاً من المدنيين العزل لم يتوقف يوماً, وإن خفت وتيرته في بعض الأيام, لكن الشكل العام للحال السورية هي أن حمام الدماء مستمر في سورية على مرأى ومسمع من العالم (المتحضر) الذي يراقب بصمت تارة وبخجل شديد تارة أخرى هذه الأحداث الدامية في هذا البلد الجريح، رغم معرفته بكل الأطراف التي ارتكبت ومازالت ترتكب هذا الكم الهائل من الجرائم بحق المدنيين الأبرياء التي ترتقي لمستوى الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية.
ولا يخفى عن أحد أن العديد من أبناء الشعب السوري سواء في الداخل والخارج, باتوا يدركون جيداً ضريبة هذه الحرب التي لا تبدو لها نهاية في المدى المنظور, فأصبحت أخبار الهدن والتهدئات بل وحتى المساومات تلقى أصداء مختلفة لدى الشارع السوري بمختلف شرائحه ومكوناته, بين مؤيد لها ومتخوف منها, أو متوجس من أمرها وغير واثق باستمرارها, ولكن الحالة الجامعة لكل هذه الآراء هي الرغبة في توقف الدم السوري النازف, لكن ليست أن تكون مجدداً على حساب أبناء الشعب السوري الثائر الذين صبروا على جراحهم النازفة لأكثر من ست سنوات.
مؤتمرات ولقاءات ودعوات مختلفة من الأطراف الدولية المساهمة والمؤثرة بشكل مباشر في الازمة السورية, وحضور مختلف للممثلين عن الدول العربية والإقليمية والدولية إضافة لممثلين عن الأمم المتحدة, أسماء منصات وطاولات مختلفة ما بين الأستانة وجنيف الذي تعددت حلقاته من الواحد حتى أربعة, ولا يسمع الشعب السوري سوى صوت الضجيج فيها ولا يرى نتيجة؛ ففي الأستانة تفاءل بعض السوريين عندما قامت موسكو بتعديل لهجتها قليلاً, وبدأت تقوم بمساعٍ بدت واضحة في بادئ الأمر وخصوصاً بعد أن حفظت موسكو ماء وجهها بانتصار هزيل في حلب, ولكن دعواتها ومساعيها وتعهداتها بضبط تصرفات شركائها على الأرض لم تكن صادقة, فاستمرت الحملات العسكرية وما يرافقها من أعمال القصف العنيف التي يدفع المدنيون أثمناها.
وبعد الأستانة جاء دور جنيف 4 الذي مهد له مؤتمر الأستانة، وكان بمثابة خارطة طريق ووعود دولية, ولكن النتيجة كانت غير مبشرة, فالنظام يراوغ والمعارضة تجد نفسها وحيدة في المؤتمر، وليس لها سند حقيقي, فعادت موجة العنف والقصف العنيف ضد مدن وقرى وبلدات سورية من جديد, وعادت أسراب الطائرات الحربية القاذفة تستهدف الحياة الآمنة لكن الأمر لم يكن صادماً بالنسبة للشعب السوري؛ فتاريخ النظام حافل باختراق الهدن وإفشالها, والآن تعود موجة القصف البربرية من جديد, وإن دلت على شيء, فهو قناعة النظام باستمرار الخيار العسكري و رغبته باللعب على عامل الوقت.. ويبقى نهر الدماء متدفقاً.
حازم الحلبي – مجلة الحدث
لتصفح العدد كاملاً