في الشمال السوري الجريح، حيث يُقصف الأموات ويُجرح الجريح وتُنتهك الحرمات وتُحمل الجنازة تلو الأخرى، الأمس عشناه بشلال من الدماء، واليوم نعيشه في حلب لكنه أشد مرارة، والغد لا ندري على من سيدور حقد النظام فاقد الشرعية والإنسانية وحلفاؤه المشاركون له في جرائم الحرب التي ترتكب في هذه الأيام من الشهر الحرام “رجب”، فطوال خمس السنوات الماضية وفي ظل صمتٍ وتواطؤٍ دولي، قصفت البيوت بساكنيها، من أطفال ونساء لا حول لهم ولا قوة هم الأكثر ضعفاً بين السكان فيا لفقدان الإنسانية أخلاقها وإنسانيتها.
لكن رغم هول الأحداث وفظاعة المشهد تخرج بعض النساء السوريات الحلبيات من بيوتهن المدمرة بأقدامهن التي ترتعد خوفاً وبوجوه شاحبة وآثار الخدوش تظهر عليهن، بخوف من الله إذ نراها متمسكة بحجابها الشرعي مبرهنة على كرامتها التي يأبى الله أن تنتهك، فمنهن من سترن أجسادهن ببطانية أو غطاء سرير طفلها أو بثوب زوجها كما أظهرت بعض الصور الملتقطة خلال محاولة الدفاع المدني إنقاذ الناس وهم تحت الأنقاض، إذ نرى بعض النساء يسترن جسدهن، ولسان حالهن يقول “نحن نساء سوريا العفيفات لا يمنعنا الألم وجلال المصاب من ستر ما حرمه الله وهذا من ديننا وعزتنا العربية”.
يقول أحمد من سكان منطقة السكري (25 عاماً) ” شعرت بقشعريرة في جسدي عندما شاهدت امرأة شابة تتمسك بحجابها الشرعي بيدها المصابة وهي تمشي فوق أنقاض بيت كانت تسكنه قبل لحظات، محتشمة في أوقات تشيب لها الولدان وتتعثر بأثاث منزلها ودموعها السخية من شدة الألم بللت حجابها، ولسان حالها يقول الله لا يوفقهم، حسبي الله فيهم.. لا نخاف الموت ولا نخشى المصاب، لكن نخاف من كشف الحرمات، وهتك الأعراض”.
دائرة الانتهاكات تتوسع وهي الآن في حلب لا تتوقف، فالألم بالغ والجرح عميق والنزف فيه حتى الموت، تكشف أم سامر(39عاماً) من المناطق المنكوبة في حلب” قصف بيتي وبيت جارتي في اليوم نفسه، وطبعاً قوة الصواريخ في القصف خيالية ابتهدم الحي بأكمله.. وكأن الروس عم يعرضوا عضلاتهم و قدراتهم عنا متباهين أمام صمت ملجوم من قبل العالم أجمع، …آه كم كان مؤلماً فقدان تلك الجارة العزيزة على قلبي كونها زوجة معتقل وتسعى لتربية أبنائها الصغار.. آه حرقت قلبي دمعة ابنتها (10 أعوام) وهي الأكبر بين أخوتها وهي تحمل هم أخوتها كونها أصبحت الأم والأب لأخوتها الثلاثة تربت يدّي وبصوت منخفض لا تتركينا يا خالة.. لقد كبرت سارة قبل أوانها واتسع قلبها الصغير لهموم ثقيلة ..آه من أبكاك يوماً سيجد من يبكيه.. بإذن الله ”
عشرة أيام مضت على حلب لا يعلم مدى مرارتها إلا الله دمر النظام فيها الحجر والبشر وغرقت حجارتها المبعثرة بدماء الأبرياء، يقف أحمد قائلاً” إلى متى سيبقى الشعب يعاني من ظلم طال عتمته ومن حقد لا ينفد؟ سجل أيها التاريخ موت أمة لا شاهد يدل عليها ولا ضريح”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد