بدأ جنيف السوري الجمعة أعرج، إذ حضر وفد النظام وغابت المعارضة التي بدا أن الضغوط الدولية فشلت في إجبارها على المشاركة دون أن تحصل على “تنازلات” ولو بحد أدنى مثلما تطالب بذلك مثل إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة كإجراء لبناء الثقة يبرر إرسال وفدها إلى جنيف.
وقال مصدر قريب من السلطات السورية إن وفد الحكومة المؤلف من 16 عضوا بينهم نائبان ودبلوماسيون ويرأسه مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري وصل إلى جنيف ظهر الجمعة.
وأعلنت ناطقة باسم الأمم المتحدة أن وفد النظام سيلتقي الموفد الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
وكان دي ميستورا قد صرح في المؤتمر الصحافي الذي عقده في الخامس والعشرين من يناير بأن المحادثات ستكون غير مباشرة وأنه سيجتمع بكل طرف على حدة.
وبينما لم تتضح أسماء المشاركين من المعارضة المدعومة من روسيا وعددهم، فإن وفد المعارضة الذي أقره مؤتمر الرياض في 11 و12 من ديسمبر الماضي خير عدم المشاركة في الجولة الأولى من المفاوضات في انتظار أن يحصل على الـ”تنازلات” التي طلبها.
وقال رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب إن وفد المعارضة لن يذهب إلى جنيف الآن، مضيفا “قد نذهب إلى جنيف (في وقت لاحق) لكن لن ندخل قاعة الاجتماعات قبل تحقيق المطالب الإنسانية”.
وكانت الهيئة أعلنت قبل ثلاثة أيام أنها بعثت برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طلبت فيها أن تلتزم الأطراف المعنية بتنفيذ القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر والذي ينص على إرسال مساعدات إلى المناطق المحاصرة ووقف قصف المدنيين.
ومن الواضح أن المعارضة المدعومة من السعودية تريد الحصول على الحد الأدنى قبل أن تشارك في المفاوضات للحفاظ على سمعتها، خاصة أنها تخلت عن مطلبها القديم بشأن التفاوض على أرضية جنيف1 التي تدعو إلى مرحلة انتقالية لا تأثير للأسد فيها وتبقي الباب مواربا بشأن إمكانية رحيله عن السلطة.
وطوال الفترة التي سبقت انعقاد المفاوضات، قاد سلوك الأمم المتحدة إلى وضع وفد المعارضة السورية في مأزق. فمن جهة يتعرض أعضاء الوفد لضغوط هائلة من قبل سوريين مازالوا يعيشون في الداخل ويسعون إلى إنهاء خمس سنوات من الصراع الذي راح ضحيته قرابة 300 ألف شخص.
وتسعى المعارضة السورية من جهة أخرى إلى الحفاظ على شرعيتها الدولية التي قد تتآكل إذا أصرت على مقاطعة المفاوضات التي بدأت أولى جلساتها الجمعة.
ويقول منتقدون للمبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا إنه عكف خلال الشهور الماضية على محاولة سحب البساط من تحت أقدام وفد التفاوض وتبني سياسة تفضي حتما إلى إنهاء سنوات من قصر مفهوم “المعارضة المعتدلة” على سياسيين معارضين هم أغلب أعضاء الهيئة التفاوضية العليا المشكلة في الرياض.
ووجه دي ميستورا الخميس كلمة إلى الشعب السوري ألقى فيها بلوم مبطن على المعارضة والحكومة السورية على حد سواء.
وقال دي ميستورا في الكلمة التي بثت باللغة الإنكليزية مصحوبة بترجمة عربية إن على السوريين الذين يعيشون في الداخل والخارج أن يقولوا لأطراف النزاع “خلاص كفى”.
وتصبح المعارضة بذلك أمام خيارين قاسيين. وسيكون حضور كامل هيئة التفاوض أو وفد رمزي ممثل لها جلسات التفاوض في جنيف بمثابة التخلي عن سوريين يعانون المجاعة تحت حصار قوات حكومية سورية وقوات تابعة لحزب الله الشيعي اللبناني.
وستسفر مقاطعة المفاوضات في المقابل عن تراجع شعبية فصائل المعارضة، كما ستثير استياء واسعا في صفوف قوى دولية أعربت في أكثر من مناسبة عن نفاد صبرها إزاء الصراع الدموي المستمر طوال خمسة أعوام.
ويرى منتقدون كثر للإسراع الغربي نحو التفاوض أن الولايات المتحدة ودولا أوروبية عدة حولت التفاوض من وسيلة لإنهاء الصراع إلى غاية.
وسمى معلقون غربيون الأجندة الغربية لإنهاء الصراع بـ”الدبلوماسية الزائفة”.
وتقول إريكا سالمون الكاتبة في صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إن “الدبلوماسيين يرون أن المحادثات السورية في جنيف، تعد خطوة إيجابية حتى ولو منيت بالفشل”.
وأضافت “أن سياسة الدفع العدوانية التي ينتهجها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ودي ميستورا لدفع عجلة المفاوضات في أسرع وقت، بدأت تخلق حالة من الانشقاقات وفقدان الثقة في صفوف المعارضة”.
العرب