: في حلب، وتحديداً في الأحياء الشرقية التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، لا زال النظام السوري ينتهج سياسة يصفها البعض بـ»سياسة العقاب الجماعي»، حيث يشكو الأهالي من نقص الخدمات، وضعف البنية التحتية، وتسلط الميليشيات، وانتشار للجريمة دون وجود المحاسبة.
ويضاف إلى ما سبق، الاستيلاء على العقارات، وهدم العشرات من المباني، تحت ذرائع مختلفة، منها عدم صلاحية بعضها للسكن، وعدم ترخيص قسم آخر. واللافت للانتباه وفق مصادر محلية، أن عمليات الهدم اليومية في أحياء عدة، تشرف عليها مليشيات موالية لإيران، ما يثير المخاوف من النوايا الحقيقية لهذه العمليات. وأوضحت المصادر أن ما يسمى بـ «فيلق المدافعين عن حلب»، الموالي للحرس الثوري الإيراني، هو من يقوم بعمليات الهدم، والاستيلاء على الأرض، تمهيداً لتشييد وحدات سكنية جديدة في المكان ذاته.
مؤسسات النظام وعدت أصحاب المنازل التي تعرضت للهدم من الذين استطاعوا تثبيت ملكيتهم للعقارات، بمنحهم منازل بديلة وبأسعار مخفضة في المشاريع الإسكانية الجديدة، غير أن بعضهم قلل من قيمة هذه الوعود .وذكر الإعلامي ماهر أبو شادي، أن عمليات الهدم طالت عشرات المباني في أحياء «صلاح الدين ومحيط مشفى عمر بن عبد العزيز في حي المعادي وبستان القصر والصالحين والمرجة والكلاسة والفردوس والسكري وطريق الباب والحيدرية وبعيدين وسيف الدولة». وقال لـ «القدس العربي»، إن ما يجعل الوقع كبيراً، هو عدم امتلاك الكثير من أصحاب هذه العقارات وثائق قانونية تثبت ملكيتهم للعقار.
عضو «نقابة المحامين الأحرار»، المحامي يوسف حسين، أكد لـ «القدس العربي» أن النظام السوري يستند في عمليات المصادرة والهدم إلى القانون رقم 10، الصادر في نيسان/أبريل 2018. وأوضح أن القانون يقضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر في المناطق التي دمرتها الحرب، حيث يستطيع النظام مصادرة العقارات التي يتعذر على أصحابها إثبات ملكيتهم لها. وأحدث القانون 10 لدى صدوره جدلاً كبيراً، ووصفه حقوقيون بأنه اعتداء على مناطق المعارضة التي خضعت للتهجير القسري، ونزع لملكيات أصحاب الحق الأصليين، والتلاعب فيها، وتحويل إعادة الإعمار إلى مشاريع ربحية يستفيد منها رجال الأعمال الكبار الموالين للأسد.
وقال، إن القسم الأكبر من سكان المناطق المدمرة لا يملكون الوثائق التي تثبت ملكيتهم للعقارات، لأن النظام يصنف هذه المناطق «عشوائية» أصلاً، فضلاً عن اضطرار غالبيتهم للنزوح، هرباً بأرواحهم. ووفق المحامي ذاته، فإن الغرض من عمليات المصادر والهدم التي تتعارض مع قوانين ملكية الأفراد، هو إحداث تغيير ديموغرافي في أحياء حلب الشرقية، وأوضح أن «النظام يخطط لتوطين عائلات المقاتلين من المليشيات الشيعية الموالية لإيران من جنسيات مختلفة، محلية وإيرانية وأفغانية وغيرها»، بدلاً من العائلات السنّية التي كانت تقطن تلك الاحياء بحلب.
وأشار حسين كذلك، إلى محاولات النظام تأمين مساكن للأهالي من بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين، الذين تم تهجيرهم من ريف إدلب، العام الماضي، وفق اتفاق رعته روسيا وإيران. وحول تسريع النظام والمليشيات الإيرانية لوتيرة عمليات مصادرة العقارات وهدمها في أحياء حلب الشرقية، عزا حسين ذلك إلى رغبة إيرانية بتثبيت ملكية أفراد مليشياتها لهذه المنازل في حلب، قبل التوصل إلى حل سياسي، من شأنه إعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة المنازل لسكانها الأصليين.
وقال: «تدرك إيران أن أي حل سياسي، سيبحث في حل هذه الملفات، وعلى رأسها إعادة المهجرين إلى مناطقهم، ولذلك هي دخلت في سباق مع الزمن، لتغيير ملكية هذه العقارات، وجعل إعادتها لأصحابها أمراً مستحيلاً، بعد تثبيت ذلك في إدارات السجلات العقارية التابعة للنظام».
من جانب آخر، أشار الإعلامي ماهر أبو شادي إلى انتشار شبكات لشراء العقارات في أحياء عدة شرقي حلب، متهماً ميليشيات إيرانية الارتباط، بتمويل هذه الشبكات، التي تقوم باستغلال حالة الفقر الشديد، لشراء العقارات بأسعار زهيدة. وأوضح، أن هذه الشبكات تستهدف أصحاب العقارات الذين استطاعوا تثبيت ملكيتهم في السجلات العقارية لدى النظام، ما يعطي انطباعاً بأن هناك مخططاً واضحاً للاستيلاء على أحياء بأكملها، سواء بالمصادرة والهدم، أو بالشراء بأسعار منخفضة عن القيمة الحقيقية.
يذكر أن الأحياء الشرقية من حلب تسجل من حين لآخر انهيارات في الأبنية السكنية، نتيجة لعوامل عدة، وآخرها كان انهيار بناء سكني قبل أيام، في حي المعادي، مخلفاً 12 قتيلاً، وإصابة آخرين.
نقلا عن القدس العربي