شهدت البلاد في هذا العام ظروفا مناخية متقلبة, تراوحت تارة بين شديدة الحرارة والدافئة والمعتدلة, ولكن الظاهرة المميزة في هذا الصيف المنصرم, أن الانخفاض الملموس على معدلات درجات الحرارة استمر لفترة زمنية أطول من السنة الماضية والتي قبلها, حيث استمر الاعتدال في درجات الحرارة طيلة شهري “أيار وحزيران”, ثم عادت درجات الحرارة لترتفع إلى معدلات مرتفعة في كل من شهري “تموز وآب”, في ظاهرة جديدة لم يعتد عليها السوريون, حيث تمثل هذه الظاهرة نوعا من ظروف التقلبات المناخية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وبعض المناطق المتفرقة من العالم.
لسنا في طور إعداد دراسة عن التغير المناخي في سورية, لكن لأننا في سورية نعيش قسوة ظروف الحرب التي يشنها النظام على الشعب, وجب التنويه إلى صعوبة ظروف هذه الظاهرة كعامل إضافي إلى جانب صعوبة ظروف الحرب, سيما أننا الآن أصبحنا على أعتاب فصل الشتاء, والظاهر للعيان, أن الانخفاض الملموس على درجات الحرارة حلَّ مبكرا أواخر هذا العام, في سابقة تُنذِر بشتاء بارد وجاف وقاسي أيضا, في ظل استمرار مأساة النزوح الداخلي بين الأرياف المحررة في محافظات حماة وإدلب وحلب, لذا تتخوف بعض الأسر السورية النازحة التي كانت تفترش الأرض تحت ظلال الأشجار في العراء, تتخوف من استمرار أزمة نزوحهم في ظل ظروف جوية شتوية جافة وباردة.
“نتحمل البرد لأيام, ولكن نعجز عن ذلك لأشهر”, هذا ما قاله لنا “أبو إسماعيل” الذي كان يعمل في تجارة الحبوب والمواد الغذائية في بلدة “طيبة الإمام” قبل أن يتمكن الثوار من تحريرها من قوات النظام, مما اضطره للنزوح عن بلدته وأفراد عائلته, يكمل “أبو إسماعيل” قائلاً:
“نحن الآن نقيم داخل خيمة بدائية في كروم الزيتون في ريق إدلب الجنوبي, ومنذ خمسة عشر يوما بدأ الجو يتغير إلى البرودة شيئا فشيئا, لم نكن نعتقد أن الأجواء ستتغير بسرعة في وقت مبكر من فصل الخريف, لكن هذا ما حصل, أنا رجل متزوج ولدي خمسة أطفال, ولست الوحيد في هذا المكان, يوجد عدة عائلات تقيم في خيام بدائية بين الكروم هنا, سنحاول النزوح إلى أحد القرى في ريف إدلب, فنحن لا نستطيع تحمل انخفاض درجات الحرارة لمدة أطول من ذلك”.
بالتأكيد إن قسوة الشتاء في المناطق السورية المحررة, لن تمر مرور الكرام على جميع السوريين في داخل المناطق المحررة, وذلك لعدة أسباب أهمها النقص الواضح في حجم المحروقات ومواد التدفئة, فضلا عن “تذبذب” أسعارها وغلاءها عموما, إضافة إلى تصدع وانهيار أجزاء عديدة من المنازل والمباني التي حاول الأهالي جهدهم إصلاح ما يمكن إصلاحه منها, لذا علَّق “أبو إسماعيل” على ذلك قائلا:
“ليست المشكلة فقط عند النازحين في العراء أو المقيمين في الخيام, صحيح أن التشرد ذو ظروف سلبية قاسية للغاية على السوريين, لكن وجب التنويه أن الشعب السوري في المناطق المحررة سيعاني كله مزيدا من ويلات المآسي, في حال استمرار الشتاء القادم لفترة زمنية طويلة, أو في حال انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة, الحمد لله في بلادنا يشعر الأهالي بمعاناة بعضهم, وكثير من عوائل بلدتي لجأت إلى داخل القرى بعد أن قدَّم لها إخوتنا في أرياف إدلب ما توفر لديهم من مساكن فارغة, ولكن أنا أقصد اجتماع ظروف القصف والتدمير مع ظروف البرودة والشتاء, بالتأكيد سوف تكون قاسية للغاية على كل السوريين في المناطق المحررة”.
لا نستطيع أن نستبق الأحداث, ربما نشهد شتاءً بارداً وقارصا في الأيام المقبلة, وربما لن يكون كذلك, ولكن واقع التشرد والنزوح هو المأساة بحد ذاتها سواء في الصيف أو الشتاء, ولكن وجب علينا التنويه إلى ضرورة إيجاد الحلول من المعنيين والقائمين على الخدمات من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية العاملة في الداخل السوري لمشكلة النزوح في ظل البرد القارص الذي نشهده في الشتاء.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.