بأدوات بسيطة وجهد كبير صنع السوريون بالماضي الكثير من تراثهم العريق، وحافظوا عليه لهذا الوقت، إلا أن مجريات الثورة السورية أثرت على البشر والحجر بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن المهن اليدوية التي تحاول الصمود رغم الصعاب الحالية ” مهنة النقش على النحاس “.
اعتاد السوريون أن يحاكوا ماضيهم بأعمالهم ويتغنوا بها لكن بعد الحرب السورية تلاشت طموحات معظمهم، وهذا حال فنانين النحاس الذين ورثوا النقش عليه من أجدادهم، باعتبارها مهنة تعود لبداية العصور الإسلامية منذ ما يفوق عشرة آلاف عام ق.م آنذاك زينت المساجد والمدارس والقصور بأجمل النقوش، وانتقلت المهنة من مدينة سورية إلى أخرى عبر بعض الحرفيين القدامى الساعين دائماً لتطويرها لكي تنافس كل المعادن الظاهرة عقبها.
عمد النحاسون إلى النقش على كافة قطع النحاس بدقة عالية وتحويلها لأواني منزلية قابلة للاستعمال وأخرى تزينية بأشكال هندسية متنوعة ومتقنة عبر الكتابة عليها باللغة العربية أو بالزخرفات الأصيلة، وهذا يختلف تبعاً لنوع النحاس ولونه ومهارة صنعه وأحياناً يتم تطعميها بالفضة أو النحاس.
يرافق مهنة النقش على النحاس ما يسمى مهنة تبيضه وتلمعيه وهي من إحدى المهن التقليدية القديمة الخطيرة الصعبة التي حافظت بشكل كلي على نسقها والتزامها بأدواتها على الرغم من التطور البسيط الذي طرأ عليها كدخول النار بالدرجة الأولى والمواد المنظفة القوية كـ”الأسيد” وغيره.
سليم الطباع صاحب المحل الأقدم في منطقة «المناخلية» المتفرعة من «سوق الحميدية» يقول لموقع البيان :”إن الطلب على المنتجات النحاسية تراجع كثيراً لسببيين أولهما المنافسة الحادة للمنتجات من معدني «الألمنيوم» و «الستانليس ستيل» اللذين يغرقان الأسواق جراء سهولة صناعتهما والتقنيات الحديثة المستخدمة فيها بينما تحتاج صناعة الأوعية النحاسية إلى وقت أطول وجهد أكبر كونها يدوية، والسبب الآخر في تراجع الإقبال على شراء المنتجات النحاسية، وبخاصة أدوات الطهي يعود إلى تعقيدات الحياة الاجتماعية، وتوجه الناس نحو إنجاز شؤونهم بسرعة، وبالتالي لم تعد إقامة الأفراح كما كانت في السابق، إذ أصبح معظم الناس يفضلون إقامتها في الصالات، كما لم يعد الطهي قاسماً مشتركاً في جميع الأعراس أو حتى بيوت العزاء».
وأشار الطباع إلى «أن هذا الأمر جعل الإقبال على أدوات الطهي النحاسية في أضيق نطاق”.
ومن جهة أخرى زادت أوضاع النحاسيات سوءا في ظل الحرب السورية المتعلقة بالعاملين بمجالها تارة الذين استغنوا عنها بصعوبة، إذ أنها لم تعد تؤمن لقمة معيشتهم، يقول أحمد أحد العاملين فيها :” تراجعت نسبة مبيع السياح الوافدين إلى سوريا وهم المقتني الأكبر لها، وشعب سوريا يعتبرها من الكماليات وهناك حاجيات أهم مقارنة بأسعارها المرتفعة التي من الممكن أن يصل سعر القطعة فيها 3500 دولار، مما أتعب نفسيتنا وجعلنا نتراجع عن العمل”.
تبقى النحاسيات في قدمها تحفة شرقية قابعة بكل الأذهان التي عرفتها تتكلم عن فلوكلور سوريا، بما أن اليد التي صنعتها سورية جبارة اعتادت على الصراع مع كل طرف لجأ للعمل على اندثارها أو حتى التقليل من قيمتها.
#المركز_الصحفي_السوري – محار الحسن