مع انعدام وسائل التدفئة وشح المساعدات، يصارع آلاف اللاجئين السورين الناجين من أتون الحرب الطويلة شتاء وشتاتا، هذا كل ما بقي لهؤلاء الفارين مع أوجاعهم الثقيلة، ثقل أطنان الحديد الذي انهال عليهم بغزارة ليجبرهم على ترك ممتلكاتهم والنجاة بأرواح من كان له بقية في الحياة.
أمام هجمات البرد القارصة مع انخفاض حاد أصاب معظم الشمال في سوريا وعلى الشريط الحدودي التركي يضرب المنخفض الجوي أطنابه، ليعمق مأساة المهجرين من ريف حلب الشمالي ليجابهوا لوناً آخر من ألوان المعاناة.
مع تزايد اللاجئين تتفاقم المتطلبات الضرورية والذي بلغ عددهم حوالي 300 ألف إنسان في مخيمات عشوائية تناثرت منذ أعوام وما تزال، بلا خدمات تمكنهم من مواجهة هذا الموت البارد.
لعل من الاجحاف اختزال حاجاتهم في المساعدات الإنسانية والدعم المادي كون هؤلاء المهجرين قدموا التضحيات العظيمة وصمدوا أمام قوة عسكرية أرهقتهم قصفاً وقتلاً، متمسكين مدافعين رافضين سياسة التهجير القسرية راضين بالحصار والموت جوعاً على ألم التشرد والشتات.
لم تعتد أجساد الأطفال الغضة على برودة شتاء قارس وخيام هشة هشاشة مساعدات تفتقد للكثير من الدعم.
وبرجفة تغلب على الحديث كشف لنا أبو مازن (39 عاماً) عن وجع تزداد خيوطه في الصدر وتتشابك قائلاً “إلى أين المفر وضع سيء وبكاء أطفالي لا ينقطع من برد ينال من أجسادهم الصغيرة، لا غاز ولا مدفأة.. آه ألجأ إلى “الببور” رغم خطورته على الصغار إلا أن ما باليد حيلة: ضعف وذل وهوان وموت بطي بات علينا مواجهته يومياً.. لله وحده المشتكى”.
مع غزارة ثلوج ومن بعدها الأمطار، معظم الخيام تسربت إليها أنها من ماء وسيول وطين، وبعض الخيام غاص في الطين وسعيد من صمدت خيمته في وجهة العاصفة، لينال أطفاله ما لم ينله الآخرون.. انخفاض درجات حاد مع شتاء جاء مبكراً تسبب في عدة وفيات معظمهم أطفال لم تتحمل أجسادهم الضعيف عضات البرد القارص.. ومع طول أمد الصراع بات الأخرون يتعاملون مع معلناتهم ببرود أقرب إلى البرد الذي يفتك بهم في هذه الأيام، حيث تراهم متقوقعين في خيامهم متلاصقين بأجسادهم المرتجفة، يرفض الصغار منهم على أن يخرج رأسه أو جسده خوفاً من البرد الذي لا يقاوم، عداك عن استغناء الأطفال لأبسط حقوقهم وتقييد تحركاتهم في خيمة محدودة المساحة تعيق كل رغبة لهم في الحركة.
عاد أبو مازن لحديثه بعد أن فاضت عيناه بدموع مشتركة من الألم والتشريد قائلاً ( إلى متى سنصمد في حرب ساخنة أخرجتنا مهجرين من بيوتنا.. إلى حرب باردة في مخيمات الشتات والبرد”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد