يحتاج كلّ حدث نضالي مفصلي في تاريخ الشعوب إلى ميثاق (دستور) أخلاقي ينظم مبادئه ويضع معاييره ويحصنه من الوقوع في أخطاء قد تنعكس سلباً على مصير الحدث أو نتائجه. والثورة السورية التي ولدت في ربيع عربي يعبق بعطر الحرية والكرامة والديموقراطية لا بدّ لها من تحصين ذاتها وهي تنهي عامها الرابع في مواجهة مكشوفة مع قوى الشر والاجرام المتمثلة: (1) بنظام تنعدم فيه أي أخلاقيات انسانية أو اجتماعية أو سياسية أو وطنية. نظام كتبت عصاباته المسلحة بصراحة على جدران باباعمرو والرستن ودرعا وحمص وحماة وحلب وكل مدينة وقرية سورية استباحوها ودمروها وهجروا أهلها أو قتلوهم “الأسد إلى الأبد أو نحرق البلد”. نظام دفع ويدفع بالبلاد إلى حرب طائفية وأثنية مسلحة تحصد الأخضر واليابس. نظام لم يرتدع عن قصف وتدمير المساجد والكنائس وحقول الزيتون والقمح والمنازل والمدن والمآذن وحتى القلاع الأثرية. نظام لا يعرف معنى الحرمات تقوم عصاباته بالقتل والتعذيب والذبح وتقطيع الأوصال واستئصال الأعضاء للأطفال والشيوخ والشباب والحرائر والفنانين والمنشدين، و(2) دعم من دول دكتاتورية فاشية مقنعة بنظم ديموقراطية واهية كروسيا والصين وكوريا الشمالية والهند وايران وفنزويلا والجزائر ومصر، و(3) دعم مستتر اسرائيلي لنظام عميل باع الجولان وحمى حدود اسرائيل الشمالية بكل قوة والتزام وتآمر على القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى وزرع الفتن في مختلف الدول العربية ورسخ الانقسامات السياسية فيها، و(4) تواطئ دولي ملفت للنظر في إطار صراع مصالح عالمي وإعادة تخطيط استراتيجي لنفوذ القوى الكبرى تقاطعت على الأرض السورية التي برزت كأهم دولة عربية وشرق اوسطية مؤثرة على التوازن الاقليمي في المنطقة. (5) ارهاب اسلامي متطرف مُقَنَّعْ يراد له بداية كسر ارادة الثورة، وارهاب الشعب السوري وتخييره بين العودة للعيش في ظل نظام الاسد والتخليً من جديد عن كرامته وكبريائه وتاريخه وآمال أجياله الشابة بالحرية والديمقراطية والتعددية والمشاركة والمساواة، وبين العيش في ظل حكم القرون الوسطى الذي لا يعترف بشرعية التعددية والمساواة والحقوق الحضارية للانسان ويتساوى مع حكم الاسد بالهمجية والقتل والتنكيل واستباحة الحرمات والتاريخ.
تمر الثورة السورية في عامها الثالث بتحديات جمة ومبادرات وأفكار مشتتة تقدمها الدول المتصارعة الاقليمية والدولية والعربية لتشكل وضعاً غير متجانس ومتشابك المصالح على طاولة مفاوضات تغيب عنها بامتياز معارضة سورية مفككة ومشرذمة غير مؤهلة لتمثيل شعبها الثائر البطل، معارضة سورية سياسية وعسكرية منقسمة لم تنجح في ترتيب أولوياتها وتنال ثقة المجتمع الدولي وتكون نداً له في صناعة القرار لا تابعاً يلهث وراء المناصب الورقية والتبعية المذلة.
أمام كل ما سبق من تحديات لم يبقى للشعب السوري الثائر إلا أن يعتمد على ذاته ويؤمن بثورته ويحصنها بمبادئ وأفكار يبدأ كل فرد بتطبيقها على نفسه لتتحول إلى معايير أخلاقية عامة ترتقي بالثورة وترفع راية الوحدة الوطنية والمواطنة العاملين الوحيدين الذين بامكانهما تحصين الوطن والحفاظ عليه.
من أخلاق الثورة ودستورها:
- أن يؤمن كل ثائر أنّه ينتمي للوطن ولا ينتمي لطائفة أوعشيرة أو شارع أو حارة أو منطقة أو مدينة أو قومية.
- أن يؤمن كل ثائر أن نضاله هو في سبيل الوطن لا في سبيل جزء منه أو فئة.
- أن يؤمن كل ثائر بأن قوته تأتي بتكافله الاجتماعي والانساني والثوري والنضالي والعسكري مع غيره من الثوار وأبناء الوطن.
- أن يؤمن كل ثائر بأنّ الشهداء الذين سقطوا سواء كانوا من إخوته أو اصدقائه أو أبناء مدينته أو ملّته قد استشهدوا لأنهم من فئة الرائدين والأبطال ولم يستشهدوا ليتركوا له إرثاً يستثمره للتعالي على غيره من المواطنين السوريين بمن فيهم الصامتين، وأنّ استشهادهم لا يعطيه الحق بأن يحصل على مكاسب استثنائية لا يمتلك أسباباً مهنية تؤهله الحصول عليها في سبيل خدمة الوطن.
- أن يؤمن كل ثائر أنّه يفتدي وطنه بدمه بلا مقابل سوى رضى الله ورضى الضمير ورضى الذات.
- أن يؤمن كل ثائر بأنه يسعى إلى تحرير الوطن وبناء دولة مدنية واحدة تتيح لجميع مكونات النسيج الاجتماعي والقومي السوري بأن تعيش وتعمل لخدمة وطن واحد يضمن لها الحقوق الدستورية والانسانية والاجتماعية والقومية دون استثناء.
- أن يؤمن كل ثائر بأنه يثور لبناء انسان سوري جديد يتمتع بصفات امتلكها أجداده منها نكران الذات والتخلي عن النرجسية والأنا القاتلة والإيمان بأنّ الانسان المناسب عليه أن يوضع في المكان المناسب بحسب كفاءاته الشخصية وبعيداً عن أي انتماء عائلي أو طائفي أو حزبي أو عشائري أو غير ذلك من الانتماءات المشوهة.
- أن يؤمن كل ثائر أنّ عليه أن يتخصص في حراكه لكي يعطي أفضل ما لديه وأن عليه دعم مبادرات رفاقه الثوار دون أن يتجاوزها أو يكررها أو يشتتها فتخبو نتائجها وتفشل. لايهم من يقوم بالعمل أو من هو في طليعته، المهم أن ينجح العمل ويحقق أهدافه.
- أن يؤمن كل ثائر أنّ عليه أن يكون ملتزماً يعرف معنى المسؤولية وأهمية تحملها لا أن يكون مدعياً كاذباً مستهتراً بما يلتزم به في أي عمل فيسئ إلى الثورة من حيث لا يدري.
- أن يؤمن كل ثائر أنّ عليه أن يتقبل الفشل كما يتقبل النجاح وأن يدرك بأن الحياة تشمل النجاح والفشل وأنّ الناجح الأكبر هو من يستطيع أن يتعلم من فشله فيتداركه في مستقبل أعماله.
- أن يؤمن كل ثائر أن عليه أن يتقبل النصح أو النقد بصدر رحب ويستفيد من خبرات غيره في سبيل تحسين إمكانياته وقدراته.
- أن يؤمن كل ثائر بأنّ عليه أن يكون شفافاً لا باطنياً يتصارح مع زملائه ويسعى للحفاظ على أطيب العلاقات معهم.
- أن يؤمن كل ثائر بأنه مسؤول عن كل ما تأتمنه عليه الثورة من أموال وأعمال وأنّ يحرص على تنفيذها دون مقابل إن أمكنه ذلك أو بمقابل يسير ان كان محتاجاً له وأنّ عمله هو هدية يقدمها للوطن ولا يطمح من خلالها أن يحقق أي مكسب آني أو مستقبلي.
- أن يؤمن كل ثائر بأنّ متطلباته الخاصة ومتطلبات أسرته النووية تتحقق من خلال تحرير الوطن وممارسة الديموقراطية وإنّ طرح أي أجندات استباقية سوف يؤذي الثورة ويهدد نجاحها.
- أن يؤمن كل ثائر بأنّ عدو الوطن الأوّل هو هذا النظام وأن عليه أن يسقطه مهما كلف ذلك من تضحيات وأن الحرية والعدالة والمساواة هي الأسس التي لا تقبل الجدل في سبيل مساهمة أجيالنا المستقبلية في بناء الحضارة الانسانية.
- أن يؤمن كل ثائر بأّنّ من واجبه دعم الجيش الوطني الحر وأفراده وعيلهم واسعاف المصابين والجرحى ودفن الشهداء ومساعدة المهجرين والجوعى ضمن نظام اجتماعي تكافلي ثوري انساني متكامل يكون فيه انكار الذات ومحبة الغير رائدة بامتياز.
- أن يؤمن كل ثائر بأن عليه معاملة المعتقلين من عصابات النظام أو ارهابيي داعش وأهاليهم وأسرهم ومرتزقتهم بما فيهم الشبيحة معاملة انسانية بعيدة عن روح الانتقام والقتل والتعذيب والاهانة مهما كانت جرائم المعتقل خطيرة ووحشية حتى يحين وقت محاكمتهم على افعالهم محاكمة عادلة لينالوا جزاءهم الذي يستحقونه.
- أن يؤمن كل ثائر بأن الاختلاف في الرأي حق من حقوق المواطنة يسمح به على المستوى السياسي ولا يسمح به على المستوى العسكري وأنّ توحيد البندقية أمر مقدس لنجاح الثورة.
- أن يؤمن كل ثائر بأنّ عليه معاملة الغير كما يرغب من الغير أن يعامله.
- أن يؤمن كل ثائر بأنّ الوطن للجميع لا يحق لأحد أن يحتكره وأنّ على الجميع أن يسعوا الى ايجاد صيغة مشتركة للتعايش بسلام وتعاون ومساواة.
عاشت سوريا حرة أبية وثورة حتى النصر
فهد ابراهيم باشا
اتحاد الديمقراطيين السوريين