ناقش تقرير نشره موقع “المونيتور” إمكانية تجنيد روسيا مقاتلين أكرادا للقتال نيابة عنها في الحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا.
وقال كيرل سيمينوف إن موسكو قد تلجأ لهذا الخيار حتى تتجنب المواجهة المباشرة هناك وتكرر ما فعلته في ليبيا عندما جندت مقاتلين سوريين لدعم الجنرال المتمرد خليفة حفتر.
وأشار في بداية تقريره إلى البيان الذي صدر عن وكالة الإستخبارات الأجنبية الروسية الذي حذرت فيه من تحول ناغورني- قرة باغ إلى “منطقة جذب تجذب إليها المسلحين من كل الجماعات الإرهابية الدولية”.
وقالت إن المعلومات المتوفرة لديها إن “مرتزقة ينتمون إلى جماعات إرهابية دولية تقاتل في الشرق الأوسط، وبخاصة جبهة النصرة وفرقة حمزة وكتيبة السلطان مراد وكذا الجماعات الكردية المتطرفة تدخل مناطق النزاع. ونحن نتحدث عن مئات بل وآلاف المتشددين الذين يأملون بالحصول مال من الحرب الجديدة في قرة باغ”.
وانتقد الكاتب البيان بأنه يحتوي على عدد من الأخطاء منها أن جبهة النصرة لم تعد موجودة منذ 2017 عندما اندمجت بجماعات أخرى وشكلت “هيئة تحرير الشام”. كما أن وصف البيان فرقة حمزة وكتيبة السلطان مراد من ضمن الجماعات الإرهابية الدولية إلا أن اسمي الحركتين ليسا موجدين على قائمة الجماعات الإرهابية التي تعدها الأمم المتحدة ولا ضمن المنظمات الإرهابية حسب القانون الروسي. ولا يظهر اسمهما ضمن القائمة الفدرالية للجماعات المحظورة في روسيا. ورغم وجود أدلة عن مشاركة مقاتلي فرقة حمزة والسلطان مراد في ناغورني-قرةاباغ إلا أن الأدلة غير موجودة عن مشاركة هيئة تحرير الشام في الحرب الجديدة هذه. وتمت موازنة البيان الذي ذكر اسم جماعات تدعمها تركيا بالحديث عن “جماعات كردية متطرفة” تدفقت نحو محور الحرب.
ولم يتم ذكر اسم هذه الجماعات حتى لا تتأثر العلاقات الروسية مع الجماعات الكردية السورية. ويأتي هذا التردد في ذكر الأسماء الكردية لأن موضوع نشر المقاتلين السوريين في أذربيجان حساس في روسيا. فالرأي العام الروسي لا يفرق بين الجماعات السورية المعتدلة أو المتطرفة في سوريا، سواء كانت الجماعات السورية الموالية لتركيا أو المقاتلين من منظمات إرهابية.
وفي الوقت الذي ذكرت فيه المخابرات جبهة النصرة لكي تضيف بعدا يدعم تدخلها في المستقبل لصالح يريفان وبذريعة قتال الإرهاب إلا أن هذا لن يحدث بدون تحديات. وتقف بين روسيا وأرمينيا كلا من أذربيجان وجورجيا. وعلى روسيا الحصول على إذن لاستخدام الممرات البرية كي تنقل قواتها وكذا السماح لها باستخدام أجواء هذين البلدين. وفي نفس الوقت فوصول المقاتلين السوريين إلى أذربيجان ليس عاملا يدفع لتدخل عسكري محتمل في النزاع بقدر ما هو انتقاد داخلي للكرملين. فرغم البيانات المتكررة منه عن أهداف التدخل الروسي في سوريا وهو منع وصول الإرهابيين إلى الحدود الروسية فإن هؤلاء المقاتلين الذين وصلوا إلى أذربيجان باتوا على مسافة 50 ميلا منها.
ومن هنا كان من المفيد للمخابرات الروسية التأكيد على وجود “جماعات كردية متطرفة” التي تقول الخدمات السرية إن أفرادها وصلوا للمشاركة في النزاع إلى جانب أرمينيا, ورغم عدم وجود أدلة عن نشر محتمل لمقاتلي حزب العمال الكردستاني أو الوحدات المرتبطة به إلا أن مجرد الحديث عنه يثير حساسية تركيا. فهذا سيخلق لها منطقة نشاط إرهابي على حدودها الشمالية وانتقالها من الحدود الجنوبية التي تعمل أنقرة منذ سنوات على التخلص منها. وربما كان هذا هو جزء من الثمن الذي تدفعه تركيا لدعم أذربيجان.
وهو سيناريو لا يمكن تجاهله في المستقبل. فلو تعرقل وقف إطلاق النار واستؤنفت العمليات العدوانية بين الطرفين فستجد موسكو نفسها مهتمة بالتدخل وإرسال فرق عسكرية صديقة لأرمينيا ومعادية للقوى الإقليمية المؤيدة لتركيا. وستجد أرمينيا صعوبة للقتال من أجل ناغورني- قرة باغ نظرا لقدراتها العسكرية المحدودة، وهي بحاجة للدعم الخارجي. وربما تحول الأكراد إلى نقطة مضادة لموازنة الدور الذي يلعبه المقاتلون السوريون. ولو استمر القتال واستعصت الحرب فقد تجد روسيا نفسها أمام خيار مشابه لذلك الذي امتحنته في ليبيا.
وبهذه الطريقة تتجنب روسيا التدخل المباشر إلى جانب أرمينيا. ويجب علينا تذكر أن القوات الأرمينية لا تقاتل في ناغورني- قرة باغ تحت العلم الأرميني ولكن في ظل علم الحكومة غير المعترف بها في الإقليم المسماة “جمهورية أرستاخ” في الأراضي الأذرية. وبهذه الطريقة ستعترف روسيا بوحدة أراضي أذربيجان ولا تعترف بشرعية “ارستاخ” ولكن عدم التدخل إلى جانب أرمينيا سيضر بسمعتها. وهو نفس الوضع الذي واجهته روسيا مع المتمرد حفتر الذي لا يحظى باعتراف دولي ولم تكن موسكو قادرة على مساعدته إلا بطريقة غير مباشرة، أي مرتزقة شركة واغنر. وهناك أسئلة حول استخدام روسيا نفس القوات في ناغورو- كاراباخ، فظهور قوات تتحدث بالروسية وبمظهر سلافي ستتعامل معه باكو على أنه دعم مباشر للقوات الإنفصالية واعتراف باحتلالها لأراضي أذرية. وستتجنب روسيا هذا السيناريو، بل وعلى العكس دعم يفغيني بريغوجين، الذي يشرف على الشركات العسكرية الخاصة أذربيجان وحمل أرمينيا والولايات المتحدة شن حرب شرعية.
وفي مقابلة مع الصحيفة التركية اليومية “أيدينلينك” قال فيها إنه لا يجد مشكلة في الدعم العسكري الذي تقدمه أنقرة إلى باكو. وقال بريغوجين “طالما لم يجتز الأتراك الحدود مع أرمينيا فلهم الحق القانوني للتدخل في ناغورني-قرة باغ”. وزعم أن عددا من المنظمات غير الحكومية الأمريكية ظهرت في أرمينيا بعد وصول رئيس الوزراء الأمني نيقول باشنيان إلى السلطة و”هذا هو أصل المشكلة، يحرض الأمريكيون على النزاع”.
وفي الوقت نفسه قد تجد القوى السياسية المهتمة بدعم يريفان فرصة من خلال المقاتلين الأجانب بدلا من واغنر. وتم استخدام نفس الأسلوب في ليبيا لدعم حفتر من خلال تجنيد المقاتلين السوريين من المناطق التابعة لبشار الأسد، حتى لا يظهر المقاتلون الروس بشكل واضح في صفوف حفتر. وبحسب الموقع الإخباري “نيوزرو” فقد بدأت عملية نقل المقاتلين السوريين إلى ليبيا عام 2019 وكانت المجموعة الأولى تضم مقاتلين من تنظيم الدولة تم أسرهم. وهناك تقارير عن مشاركة روس في جهود تجنيد السوريين في جنوب سوريا ودير الزور.
وقالت تقارير إن المقاتلين السابقين في المعارضة وعدوا برواتب ألف دولا وعدم الملاحقة مقابل موافقتهم على القتال في الخارج. ولم يتم الوفاء بهذه الوعود بعد عودة المقاتلين من ليبيا. ويمكن القيام ببرنامج مشابه لدعم الأرمن ولكن باستخدام الأكراد السوريين وليس العرب. ولن يكون هؤلاء بالضرورة من وحدات حماية الشعب الكردي.
وحاولت روسيا في 2019 جذب الأكراد للمشاركة في جماعة وكيلة لها وتجنيدهم من بلدات مثل عمود وتل التمر.
كما أن ظهور مقاتلين أكراد في أرمينيا لن يثير الإهتمام نظرا لوجود أعداد من الأزيدين الأكراد هناك ولم تنقطع علاقاتهم مع القبائل السورية والكردية.
ويعكس موقف تركيا وأذربيجان من التقارير عن وجود مقاتلين سوريين الموقف الروسي من مرتزقة واغنر في ليبيا. فقد نفت باكو وأنقرة بشدة وجود هؤلاء المقاتلين. وهو نفس الموقف الذي تبنته موسكو من المرتزقة الروس في ليبيا وتجاهلت شهادات وحقائق وتقارير أمنية وصحافية تركية وأوروبية وأمريكية عن وجودهم.
نقلا عن القدس العربي