ساعات قليلة مضت على دخول مذكرة التفاهم في أستانة 4 حيز التنفيذ, وكالعادة شهد اليوم الأول من هذا الإتفاق “المعلوم – المجهول” عدة خروقات وثقها الناشطون من قبل قوات النظام في مناطق متفرقة من البلاد ضمن الخارطة الجغرافية للجزر الأربعة التي أعلنتها وزارة الدفاع الروسية أنها مناطق هادئة, أو مناطق لخفض التوتر بين الأطراف المتنازعة..
تفاؤل حذر وتشاؤم مشروع:
تراوحت ردات فعل السوريين المقيمين في المناطق المحررة والمحاصرة بين التفاؤل المفعم بالأمل البعيد أن تكون هذه الخطوة بداية على طريق إنهاء مسلسل القتل الذي يمارسه النظام والمليشيات الإيرانية بحق المدنيين السوريين مستخدمين شتى أنواع الأسلحة المدمرة ابتداءً من الطائرات الحربية وانتهاءً براجمات الصواريخ والمدافع الثقيلة, إلا أنهم لم يضمروا تخوفهم من تكرار مسلسل الخروقات حتى تصبح اعتيادية, فيصبح الاتفاق في مهب الريح وتعود الأسطوانة العسكرية “المشروخة” لتعزف لحن الموت من جديد على مسامع السوريين, وقد أعلن العديد من السوريين عن توجسهم من البنود الغامضة وغير الواضحة في بنود الإتفاق, وأولها الإلتفاف على المصطلح والتسميات, فالمناطق الآمنة التي يحظر فيها الطيران لا تندرج تحت المسميات الروسية المختلفة من المناطق الهادئة ومناطق خفض حدة التوتر والنزاع, إضافة إلى ترك الباب مفتوحاً أمام دور محتمل لطيران العدوان الروسي الذي كان بالأمس القريب يقصف المستشفيات والنقاط الطبية والمراكز العلاجية المدنية في المناطق المحررة..
ما الجديد؟؟
سلسلة متعاقبة من مؤتمرات صنعتها روسيا بعيداً عن الرغبة الدولية, واختارت العاصمة الكازخستانية “أستانة” كمكان ثابت لعقدها, ومارست روسيا والدولة الشريكة لها في رعاية الإتفاقات المذكورة تركيا, العديد من الضغوط على طرفي الصراع وهما المعارضة العسكرية المسلحة والنظام السوري لحضور هذه السلسلة المسماة ب”أستانة”, فيما اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقف المتفرج والمراقب الخارجي لنتائج هذه المؤتمرات..
انتهى مؤتمر “أستانة” أربعة, وما تمخض عنه هو دعوة الطرفين الراعيين الأساسيين “الروس والأتراك” إلى البدء بتنفيذ اتفاق شامل لإطلاق النار كبداية لإنهاء العنف على طريق الحل السياسي في جينيف, وهذا ما تمخض عن “الحلقات” الثلاثة من سلسلة أستانة, ولكن الجديد هي طرح روسيا المفاجئ بإنشاء مناطق هادئة في سورية لتجنيب المدنيين خطر الصراع, وتعهدها بإدخال قوات فصل بين الأطراف المتنازعة حالما يتم ترسيم وإيضاح حدود المناطق الهادئة من خطوط الإشتباك..
المضحك المبكي أن تصر روسيا على اعتبار إيران الدولة الداعمة للنظام بالمال والسلاح والرجالة طرفاٍ ضامناً للإتفاق, بل إظهارها بمظهر الجهة الحيادية التي تسعى إلى إيجاد حل للأزمة السورية, رغم التواجد الكبير لآلاف المقاتلين الإيرانيين والمحسوبين عليهم على شكل مليشيات تقاتل إلى جانب النظام السوري وتدافع عن المشروع الإيراني, وهذا ما ترفضه المعارضة جملة وتفصيلاً..
المشكلة الكبيرة هي عدم امتلاك المعارضة العسكرية المشاركة في أستانة العدد الكافي من أوراق الضغط اللازمة لإنهاء أي دور إيراني في مؤتمرات تصنعها وترعاها روسيا, في ظل الضغوط المتصاعدة عليها من قبل الجانب التركي سعياً وراء إنجاح الإتفاق, فالمعارضة تدرك جيداً ان الطرف الروسي هو أساس المشكلة بحد ذاته ومع ذلك تقبل في كثير من شروطه في أستانة, لذلك لم تهول المعارضة من اعتبار إيران طرفا ضامناً للإتفاق وراعياً للسلام في أستانة4, فالجهة الصانعة “روسيا” ليست بعيدة في مشروعها داخل سورية عن مشروع إيران, وقد ارتكبت جرائم بحق السوريين كما فعل الإيرانيون, والمحصلة أن يتم فرض الآراء خارج رغبة السوريين بالشكل الذي يخدم مصالح الروس والإيرانيين والنظام ويظلم الثوار والشعب السوري في الداخل, ويلوح بخطر التقسيم القاتل للبلاد عند انتهاء كل حلقة من مسلسل “أستانة”..
غياب الطائرات الحربية مقابل التنازل:
المؤسف من كل ذلك هو الوصول إلى مرحلة يخير فيها السوريون بين استمرار الحصار والقتل والتجويع وتطبيق سياسة الأرض المحروقة باستخدام الطائرات الحربية التابعة لكل من روسيا وإيران, وبين التنازل عن المطالب الرئيسية لثورتهم..
صحيح أن الوفد المفاوض عن المعارضة المسلحة لم يعلن عن تقديم تنازلات تنتهي بعقد المصالحات على الطريقة التي يفرضها النظام, والتي تؤدي إلى وأد الثورة وتغيير البنية الديمغرافية للسكان, إلا أن عدم وضع المعارضة في الدائرة الحقيقية لمقررات وطروحات أستانة, يجعل منها متهماً قابعاً في قفص المساءلة أمام أنظار العديد من السوريين المدركين لخفايا الطرح الروسي الذي يحاول دائما اللعب على وتر شراء الوقت والإلتفاف على مطالب الثوار, والاستمرار في دعم النظام بتأمين المظلة السياسية المشرعنة لكل تصرفاته وجرائمه بحق السوريين, سيما وأن للثوار على الأرض تجارب سابقة اختبرت مدى صدق روسيا التي فشلت في كل الاختبارات واستمرت في سياسة “الكذب” والتدليس..
لذلك يعتبر هذا الإتفاق غامضاً ونتائجه محفوفة بالمخاطر, خصوصاً بعدما تم تخيير السوريين بين أحد خيارين:
إما استمرار القصف باستخدام الطائرات الحربية التي أخرجت 80% من مشافي المناطق المحررة عن الخدمة وارتكبت عشرات المجازر مؤخراً, أو الإذعان للحل على الطريقة الروسية والإيرانية التي تضع الشعب السوري أمام حقيقة الاستسلام..
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.