يرش الماء على مساكب البقدونس والجرجير أمام خيمته بهدوء ينم عن أمومة لهذه الحشائش الصغيرة،
كمن يضمد جريح حرب يعشب الطفيليات من بين أعواد الجرجير.
يتنهد في الطريق بين خيمته وخزان المياه الذي وهبه جار المخيم، وما زالت بساتين البندورة في قرية
طفس على قيد حنينه.
الخيمة الأنيسة
يقول أبو محمد وهو نازح من ريف درعا، يقيم في مخيم عشوائي قرب مدينة إعزاز شمالي حلب، آنست
هذه الخيمة وأحببتها بعدما جربت وعورة المهربين بين الحدود السورية التركية، فوعورة كلامهم وأفعالهم
أصعب من قطع الجبال الفاصلة بين سماء تمطر براميل وخيام وسماء تودق أمنا وسلام.
تركيا الهجرة الثانية
بعد مجيئي من درعا صوب الشمال كان شغلي الشاغل أن أهرب بعائلتي إلى تركيا، لحمايتهم من هول البراميل
في ريف إدلب الجنوبي، حجزت مع مهرب وقال الطريق من خربة الجوز مأمّن ومضمون.
عائلة قسمها سلّم الدلّيل
ضباب كثيف يخدع النفس باختباءات النعام، وعتمة توجس الصدور، الدلّيل وهو خبير الطريق إلى القرية
التركية المقابلة، قال ليلة ونكون في أنطاكية، أقام سلمه على الجدار وقص الشريط، وقال اتبعوني،
تبعه أربعة شبان كنت خامسهم وزوجتي خلفي، بعدما اعتليت الجدار، رفعت زوجتي يدها لتناولني
طفلنا الوحيد، علا أزيز الرصاص فوقنا جعلني أتجه صوب الجانب التركي، وبقيت زوجتي وراء السلم
في الجانب السوري، استلمتنا الجندرما، بعدما اختفى الدليل في الأحراش، وفكري منشغل ماذا حل
بزوجتي وأبنائي على الجانب الآخر.
ثلاث ليال أتوهم الضباع وأتوسم خيرا بأهل المعروف:
اقتادنا حرس الحدود وجمعنا في مخفر، ولسوء حظي كانت ليلة جمعة والسبت والأحد عطلة، أفرج عنا يوم الإثنين بعد ثلاثة أيام قضيتها أفكر هل أكل الذئب ولدي، أم وجدوا من ينقذهم ويعيدهم إلى حيث كنا نسكن في قرية الهلبة جنوب إدلب.
لم أعرف ما أفعل عدت إلى البيت الذي كنت أسكنه، والبشرى لم تكن وصول تركيا، كانت رؤية عائلتي بخير، قالت زوجتي، انهرت حين وجدت نفسي وحيدة وبحضني الولد، لكنه شجعني على الحياة مشيت باتجاه الطريق الذي أوصلتنا إليه السيارة، وتابعت المشي بعد نصف ساعة من الخوف والبرد، لمحت ضوء دراجة نارية قادم.
الأخ الذي منحته السماء
وأكملت “أم محمد” توقف سائق الدراجة، وقال لي يا أختي، هذا الطريق غير سالك إلا للمهربين، لا أعلم ما أفعل أنا، ولكن الله ألهمني أن أسلكه، وكنت قد خرجت من البيت قاصدًا قرية قريبة، فاخترت الطريق الجبلي الطويل، ضعي الطفل بيني وبينك وأنا أخوك الذي وهبته السماء.