بعد الاتفاق بين روسيا وتركيا التي تعتبر الدول الضامنة في سوريا لمناطق خفض التصعيد بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية، وذلك خلال مؤتمر سوتشي الذي حضره الرئيس التركي والرئيس الروسي في 17 أيلول العام الماضي 2018 لتفادي وقوع أي هجوم محتمل من قوات النظام على منطقة إدلب التي تعتبر آخر معاقل المعارضة في الثورة السورية , أو العكس وبتعبير آخر إنهاء مصادر التوتر في إدلب تفادياً لوقوع اشتباكات تعرّض حياة خمس ملايين للخطر.
فقد اتفق الرئيسان التركي والروسي خلال مؤتمر سوتشي على سحب السلاح الثقيل من خطوط التماس بين قوات النظام والمعارضة بعمق يتراوح بين 15 – 20 كيلو متر لكل منهما بحيث تكون منطقة فاصلة بين المعارضة والنظام وإنشاء منطقة آمنة تكون حاضنة لعودة اللاجئين الذين أبعدوا عنها .
فيما أكدت وزارة الدفاع التركية إلى الجهود الرامية لإحلال السلام والأمن في منطقة إدلب في إطار اتفاق سوتشي كما ورد على لسان وزير الدفاع التركي .
فماذا حقق هذا الاتفاق من طرف النظام وضامنه فإلى هذا اليوم لم يتم تسجيل سحب لأي آلية ثقيلة من قوات النظام منذ بدء الاتفاق على العكس فقد سجّل حشود وأرتال للفيلق الخامس وقوات النمر والميليشيات الإيرانية التابعة لقوات النظام السوري تزّج بأغلب عناصرها وعتادها على خطوط التماس في محافظة إدلب على الرغم من التزام الضامن التركي بسحب السلاح الثقيل لقوات المعارضة بالعمق المتفق عليه داخل منطقة إدلب .
فضلاً على أن النظام السوري لا يزال يواصل خرق الاتفاق بتكثيف القصف على قرى ومدن وبلدات إدلب الجنوبي الشرقي وحماه الشمالي والغربي الواقعة ضمن المنطقة المنزوعة السلاح و ما بعدها , فاستمر استهداف النظام السوري والقوات الروسية ” الضامنة ” المتواجدة بالنقاط القريبة من خطوط التماس الأحياء السكنية المدنية الخالية من أي مظاهر مسلحة أو مقرات عسكرية في منطقة خفض التصعيد منتهكاً اتفاق سوتشي الحاصل .
فقد تعرضت بلدات التح و جرجناز وأم جلال وغيرها من القرى والمدن بريف إدلب الجنوبي الشرقي وبلدات كفرزيتا واللطامنة بريف حماه الشمالي إلى قصف عنيف ومكثف منذ توقيع الاتفاق إلى يومنا هذا، أدت إلى دمار شبه كامل بالممتلكات المدنية و نزوح ما يقارب 95% من سكانها إلى المخيمات والمناطق شبه الآمنة .
و يشار أن القصف لم يقتصر على المدافع والراجمات الصاروخية فقد تعرضت بلدة خان السبل وريف جسر الشغور الغربي القريبة من النقاط التركية لقصف من الطيران الحربي الروسي الضامن , علماً أن المناطق التي تعرضّت لقصف الطيران مناطق مدنية بدليل وقوع ضحايا مدنيين جلّهم أطفال ونساء .
فضلاً عن حادثة تسلل عناصر من قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات النظام كما أوضح ” مصطفى معراتي المتحدث باسم جيش العزة ” على محور الزلاقيات حيث أنهم قاموا بغدر المرابطين وقتل 23 عنصر باستخدام القناصات الحرارية الحديثة والتقدم إلى رباط قوات المعارضة , لكن كما ذكر “معراتي ” أن جيش العزة التابع للجيش السوري الحر تمكن من استعادة النقاط التي تقدموا إليها وقتل 6 عناصر لقوات الحرس الثوري الإيراني .
ويجدر الإشارة إلى أن خروقات النظام وروسيا الضامنة لا تزال مستمرة إلى تاريخ هذا اليوم فقد تعرضت مدينة خان شيخون ومدينة مورك لقصف مكثف من نقاط النظام و ازدياد وتيرة القصف على بلدات التح وجرجناز الشبه الخالية من السكان لكثافة القصف عليهم مستخدمين صواريخ أرض أرض والصواريخ المحمّلة بالقنابل العنقودية المحرمة دولياً , وقد توسعت دائرة القصف لتشمل بلدة تلمنس الحاضنة لأكثر من 10 آلاف نازح عدا سكانها المحليين فقد تعرضّت اليوم لأكثر من خمس صواريخ أرض أرض وقنابل محمولة بمظلّلات من طيران الاستطلاع الروسي المذخّر الذي لا يكاد يفارق الأجواء ليلاً نهاراً .
فتسبب هذا القصف المزيد من حركة النزوح والتهجير ووقوع العديد من الضحايا المدنيين خاصة الأطفال والنساء من القرى والبلدات الواقعة ضمن منطقة خفض التصعيد ومناطق المنزوعة السلاح وتخوّف الناس من أي هجوم محتمل لقوات النظام على منطقة إدلب رغم تأكيد الدول الضامنة بعدم وقوع هذا الهجوم .
فبعد المجازر التي حصلت منذ توقيع الإتفاق والقصف الذي لم يهدأ ليوم واحد لم يعد شيء ضامن لحياة الناس وأطفالهم , فمن حلم العودة وتطبيق إتفاق سوتشي إلى واقع أليم يحمل في طياته المزيد من القتل والدمار والتشرّد .