رأي القدس العربي
بدعوى «تطوير العلاقات مع سوريا» قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترفيع ألكسندر يفيموف، السفير فوق العادة والمفوض لدى دمشق، ليصبح «ممثلا رئاسيا»، وهي وظيفة تشابه في مضمونها منصب «المندوب السامي» الذي كانت تستخدمه الدول الأوروبية خلال فترة احتلالها لدول عربية، كما توازي منصب «رئيس الإدارة المدنية» الذي استلمه الدبلوماسي الأمريكي بول بريمر بعد احتلال بلاده للعراق عام 2003.
يعني القرار أن يفيموف سيصبح حاكم سوريا الروسيّ، وهو ما يتفرّع عنه إعلان واضح لواقعتين: الأولى إعلان الكرملين صراحة أن سوريا صارت تحت «السيطرة الروسية» عسكريا وسياسيا، والثانية هي أن بوتين سيحكم سوريا بشكل مباشر، على أن تكون الصلة بينه وبين حاكم سوريا بشار الأسد عبر يفيموف.
تأتي الخطوة الأخيرة بعد عدد من الانتقادات القاسية التي وجّهت من قبل مصادر روسيّة إلى الأسد ونظامه، وشيوع أنباء عن اتفاق روسي ـ إيراني على التخلّص من الرئيس السوري، تبعتها ردود فعل تهدّد بوتين شخصيّا، على لسان أحد أعضاء مجلس النواب السوري، ورسالة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تطالب، على لسان مسؤولين أمنيين سابقين وإعلاميين عرب (قام بعضهم لاحقا بإنكار توقيعهم عليها)، بوقف استضافة أشخاص ينتقدون الأسد ونظامه في قناة «روسيا اليوم».
لا تبدو الخطوة، ولا اشتباك النيران السوري ـ الروسيّ الذي سبقها، ولا إشاعات رحيل الأسد التي رافقتها، غريبة في سياق اقتراب تطبيق قانون قيصر الأمريكي الذي سيبدأ معاقبة النظام السوري ورئيسه ومعاونيه والأفراد والشركات التي تقدم المساعدة للنظام، إضافة إلى استهدافه البنى التحتية والعسكرية ومواقع إنتاج الطاقة والكيانات الروسية والإيرانية التي تدعم النظام.
بخلقه واقعا جديدا في ما يتعلق بسوريا، فإن الاحتمالات ستكون مفتوحة بالنسبة لطريقة تعامل الكرملين مع الملف السوري. أحد السيناريوهات هو تصعيد المجابهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو خيار لا تمتنع موسكو عن التلويح به، عبر إظهارها إمساك بوتين شخصيا بالملف السوري، وعبر تصعيدها بإرسال مقاتلات حربيّة وعناصر «فاغنر» ومقاتلين مستأجرين سوريين إلى ليبيا، كما بقيامها بمماحكات جوّية أو بحرية، كما فعلت أول أمس باعتراض مقاتلتين لها لطائرة استطلاع أمريكية في المتوسط.
لا يمكن لخيار التصعيد ضد الأمريكيين، مع ذلك، الاستمرار طويلا، فموسكو لا تستطيع التورّط فعلا بمواجهة حقيقية مع الأمريكيين، الذين يكتفون حاليّا بتعزيز المناطق التي يسيطر عليها حلفاؤهم الأكراد، وبفضح ومتابعة التدخّل الروسيّ في ليبيا، كما فعلت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) قبل أيام، فاتحين الطريق، في الوقت نفسه، للكرملين لبحث خيارات أخرى، منها طبعا، التفتيش عن بدلاء للأسد، وهو أمر يفسّر العصبيّة التي عبّر عنها موالو الرئيس السوري، كما يفسّر أيضا محاولة حاكم سوريا الانقلاب على شريكه المالي رامي مخلوف ومصادرة الأموال والأملاك العائلية التي تمت تحت إشرافه عبر سنوات طويلة.
تصعيد رتبة يفيموف من سفير فوق العادة إلى «مبعوث رئاسي» هو، بهذا المعنى، تخفيض لرتبة حاكم قصر المهاجرين إلى مدير مخفر، وبهذا التخفيض الرمزيّ يصبح تعيين مدير مخفر جديد مهمّة أقل صعوبة.