يعتبر كل من قطّاعي التعليم و الصحة من أبرز القطاعات التي تُقاس عليها أوضاع المجتمعات، و تمُثل معياراً منطقياً للتقدم و التطور.
فكانت الثورة السورية التي بدأت شرارتها بالكتابة على جدران المدارس, وكان رد النظام الوحشي لا يميز بين مدرسة أو مشفى أو بين طفل و ثائر.
فمنذ انتهاج النظام للحل الأمني سعياً منه لقمع الانتفاضة الشعبية حوّل المدارس إلى معتقلات بادئ الأمر ثم أصبحت مراكزاً تتجمع فيها قوّاته, وحولّ أسطحتها إلى متاريس عسكريّة وأبراج للقناصّة .
من بين 22 ألف مدرسة في سوريا تمّ تدمير 2362 مدرسة بشكلٍ كلّي أو جزئي غالبيّتها تقع في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية.
كما يشير عدد من تقارير المنظمات الأهلية و الدولية، تمّ استخدام 1956 مدرسة كملاجئ للأسر النازحة في مختلف الأراضي السورية بعد سياسة التهجير الجماعي التي انتهجها النظام في حربه ضد سكان سوريا.
وأفاد احسان طالب في الصف الثاني الثانوي عن معاناة الدراسة في المناطق المحررة” كيف نستطيع إكمال مشوار الدراسة بعد تمدير مدرستنا بشكل كامل، بالإضافة إلى هجرة أغلب المدرسين في منطقتنا، فقد دمر مستقبل الآلاف من أجيال المستقبل”.
وحسب تقارير الأمم المتحدة بمنظمّاتها المختلفة العاملة في مجال التعليم، يوجد أكثر من ثلاثة ملايين طفل في سوريا في سنّ الدراسة محرومين من التعليم ، وبالرغم من الظروف القاسية التي تفوق أي احتمال التي عاشتها, وما زالت تعيشها بيئات الثورة في سوريا، وما يُعانيه السوريون في أماكن اللجوء في البلدان المجاورة، إلا أنّ أبناء سوريا ينتجون حلولاً في أقسى ظروف الحرب لتفادي تدمير أجيالهم القادمة، وبسبب الحاجة الملحة، تمّت إقامة العديد المشاريع التي تحاول تعويض النقص الفادح في الاحتياجات التعليمية، والانطلاق بعملية تعليمية في ظروف بالغة الصعوبة , وبأقل التكاليف المتوفرة لاستئنافها, وتعويض الأطفال ما فاتهم من تحصيل علمي.
الأستاذ شريف الرحوم مدير مدرسة وهي إحدى المشاريع التي بدأت بإمكانيات ضئيلة في العام الدراسي 2013 عن طريق صيانة إحدى المدارس المتضررة يقول: ” استمر العمل لمدة عام كامل بشكل تطوعي من قبل الكادر التعليمي وإدارة المدرسة, وقمنا في العام الأول بإجراء العملية الامتحانية تحت إشراف الحكومة المؤقتة في العام الدراسي 2013 -2014″.
ويضيف الرحوم” قدمت منظمة خيرية ماليزية مساعدات بالحد الأدنى وهي عبارة عن مكافآت للمدرسين, وبالتعاون مع مديرية التربية الحرة قمنا بامتحانات فصلية ودورية للصفوف الانتقالية وربما تكون أهم مشكلة نتعرض لها وتعترض العملية التعليمية هي موضوع رواتب المدرسين فتأمينها ولو بالحد الأدنى ييسّر العملية التعليمية بشكل كبير”.
وبالرغم من انتشار العديد من المشاريع التعليمية في المناطق المحررة ، وفي مخيمات اللجوء و النزوح، إلا أنّ غالبية هذه المشاريع تغيب عنها الطرق المثلى لجعل الطلاب يقبلون على الدراسة بعد الانقطاع الكبير الذي عانوا منه خلال الحرب واللجوء.
جمال شحود مدير تربية ادلب الحرة يقول” في محافظة ادلب 1400 بناء مدرسي أكثر من ثلثها تعرض لأضرار بليغة جدا نتيجة القصف ومنها ما دمر كليا, ونستطيع تجاوز هذه المشكلة من خلال اعتماد نظام الدوامين او الدوام النصفي وكل ذلك ضمن الحدود الدنيا المتاحة في ظل ظروف الحرب التي يعيشها البلد “.
وأضاف الشحود” قمنا بتزويد 85 ألف طالب في محافظة ادلب بالقرطاسية الوافرة والكافية لمدة عام دراسي كامل, وعلى مبدأ المساواة في المدارس التي تتبع لنا والمدارس التي توجد في المناطق المحررة”
دفعت الحاجة الملحّة مديرية التربية الحرة إلى افتتاح مدارس ثانوية للطلاب الذين تقدّموا لامتحان شهادة التعليم الأساسي وفق برنامج الائتلاف حيث يستحيل عليهم إكمال دراستهم في مدارس النظام، فافتتحت المديرية 22 مدرسة ثانوية لتستوعب 2252 طالب نجحوا في امتحانات الشهادة الاعدادية للعام الدراسي 2014-2015, والتزم بالتدريس فيها كلّ من المدرسّين المفصولين من مدارس النظام, والخرّيجين الذين لم يتم تثبيتهم, كما قامت بافتتاح معهد لإعداد المدرسين استوعب في السنة الأولى 860 طالباً وهي الآن في طور تخريج الدفعة الأولى من هذا المعهد.
أما من ناحية الاعتراف بالشهادة الصادرة عن الحكومة المؤقتة ووزارة التربية الحرة فقد أشار الشحود :” حصلنا على الاعتراف الدولي ولكنه اعتراف منقوص فتركيا مثلاً كانت تقوم بترجمة الشهادة التي نصدرها وتصدّقها من الكاتب في العدل التركي فيما يشبه عملية المعادلة والمعروف أن الشهادة التركية معترف بها في جميع أنحاء العالم, كما أنّ هناك العديد من الدول التي تعترف بشهادتنا وقد أوفدنا الكثير من الطلاب إلى ألمانيا وفرنسا علماً أن الشهادة الثانوية التي حصلوا عليها مصدقة عن الحكومة السورية المؤقتة”.
ويذكر أن المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أن” التعليم هو حق من حقوق الإنسان الأساسية، وإن هذا الحق مصون لكافة البشر
فإلى متى سيستمر هذا الضباب الذي يحيط بالعملية التعليمية للأجيال السورية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وهل ستقوم الحكومة المؤقتة بإجراءات جادة لتفادي ضياع هذه الأجيال؟.
المركز الصحفي السوري
أحمد الإدلبي